تونس | ليبيا، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، يبدو أن الأمر صار حتمياً. يشتد النزاع داخلها بين جماعات متناحرة وقبائل متقاتلة، ويزداد لجهة «ابتلاع» أراض في ليبيا للمحتجزين داخلها من صحافيين وإعلاميين ويضحي من الصعب إعادتهم.
منذ ما يقارب الشهر، تنتظر أم سفيان عودة ابنها أو أي تصريح وزاري يطمئن لوعتها ورعبها حول مصير، سفيان الشورابي، الذي غادر التراب التونسي برفقة زميله المصور، نذير الكتاري، لتصوير تقارير إعلامية في ليبيا، ليُفقدا على إثر ذلك، ويتضح اختطافهما من قبل مجموعات مجهولة.
منذ ما يفوق الشهر، يترقب العاملون في القطاع الإعلامي في تونس أي خبر حول مكان زميليهم نذير الكتاري وسفيان شورابي، المحتجزين في ليبيا. لكن السرية والغموض يحيطان بالملف، ما ينبئ بعسر وبطء تقدم المفاوضات.
سفيان شورابي صحافي عمل لصحف كانت ممنوعة في زمن الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، ثم مدوناً عندما أُغلقت صحف المعارضة، فناشطاً سياسياً وصحافياً بعدة محامل إثر «الثورة»، وسبق أن راسل صحيفة «الأخبار» اللبنانية لفترة من الزمن. أما نذير القتاري، فهو مصور صحافي عرف بحبه لمهنته وتفانيه في صنع صورة جدية كاشفة للحقيقة.
في الثالث من شهر أيلول الماضي، راجت أنباء عن اختطافهما. سارعت على إثرها «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين» إلى التحقق من الحادثة والاتصال بالسلطات المختصة، ليتضح بادئ الأمر أنهما لم يتعرضا للخطف، بل جرى التحفظ عليهما للتحقق من الهويات، في حين أنهما يحملان كامل الأوراق النظامية المطلوبة، بالإضافة إلى وثيقة التكليف من التلفزيون الذي يعملان له وتصريح العمل. وطالبت النقابة كافة الصحافيين بضبط النفس والتريث إلى حين الإفراج عن زميليهما خلال ساعات، وفعلاً نجحت الوساطات في دفع المحتجزين إلى إطلاق سراح سفيان ونذير. ولم تلبث لحظات الانفراج طويلاً، فمجموعة أخرى كانت لهما بالمرصاد وأقدمت على اختطافهما، ومرة أخرى تعهدت نقابة الصحافيين التونسيين السعي للإفراج عنهما.
هذه المرة لم يستغرق الأمر ساعات ليسمع الإعلاميون أخباراً سارة عن زميليهم، فالترقب طال أياما، خصوصاً مع صعوبة تحديد الجهة المحتجزة لسفيان ونذير، والأخبار متضاربة بين من يدعي أن جهة نظامية في البريقة تحفظت عليهما لعدم حيازتهما تصريح تصوير في المنشأة النفطية في البريقة. ونظراً إلى صعوبة المهمة، فقد بعثت نقابة الصحافيين خلية أزمة تعمل بالتنسيق مع الوسطاء.
طالبت خلية الأزمة الاعلاميين التزام الصمت تجاه القضية، فالتشويش الإعلامي الذي قد يحصل حول حادث الاختطاف قد يربك المختطفين ويدفعهم إلى رد فعل لا تحمد عقباه، وحتى تتمكن الوساطات الرسمية وغير الرسمية من تحقيق نتائج إيجابية. وعلى غرار عائلتي المخطوفين، فإن عائلتهما الاعلامية الموسعة، تعبر على مواقع التواصل الاجتماعي عن تخوفها مما قد يحدث، وترجو أن يعودا سالمين وأن لا يطاولهما مكروه، خصوصاً أن ليبيا شهدت في الفترة الأخيرة استهداف الصحافيين والمدونين الذين ينقلون الصورة الحقيقية لحرب العصابات والجماعات المسلحة المتناحرة وما أتت عليه من أخضر ويابس.
لم يمنع طوق الصمت المفروض على القضية، الصحافيين التونسيين من مساءلة القائم بأعمال سفارة ليبيا في تونس، محمد المعلول، وإحراجه للبوح بما آلت إليه المشاورات، راجين أن يحمل أخباراً سارة حولهما. أكد أن المخطوفين غادرا أجدابيا ليتوجها إلى المنطقة الشرقية ويفقدا هناك دون أدنى معرفة بالجهة التي تحتجزهم والتي لم تفصح عن نفسها إلى اليوم أو تقدم شروطها وطلباتها للإفراج عنهما. وعقب قائلاً: «ليس لدينا معلومات أخرى عنهما. الوضع في ليبيا معروف، فهناك أطراف لا يمكن أن نتواصل معها، وبالتأكيد إن الطرق الاجتماعية هي الحل الوحيد في هذه المسألة، خاصة مع ما يتسم به الوضع في ليبيا».
تصريح القائم بأعمال السفارة بدا واضحاً، فالسلطات الرسمية لا علم بها بمكان الصحافيين، ولا مجال للإفراج عنهما بالقنوات الرسمية، بل بالطرق الاجتماعية، أي بالتوسط لدى القبائل والعشائر التي تنتمي إليها الجماعة التي تحتجزهما.
في المقابل، تواصل السلطات التونسية بدورها عمليات البحث عن وسطاء ناجعين في الملف، فهو ليس ملف الاختطاف الأول الذي يوضع على مكتب وزير الخارجية، المنجي حامدي، ولا سيما بعد احتجاز دبلوماسيين تونسيين خلال الشتاء الماضي. وأكد الحامدي في تصريحات صحافية أنه حمّل الدولة الليبية ورئيس برلمانها مسؤولية السلامة الجسدية لنذير وسفيان، وأن ما توافر له من معلومات تقول إنهما محتجزان لدى جماعة يشتبه في أنها متطرفة شرقي ليبيا، وأنه على اتصال ببعض القادة هناك للبحث عنهما وإطلاق سراحهما.
منذ يومين فقط، أعلنت خلية الأزمة أنها توصلت عبر قنواتها الخاصة وبالتنسيق مع الجهات الرسمية لتحديد الجهة المحتجزة لهما وأن الوسطاء بصدد التحرك المباشر لحل الملف، فيما لا يمكن الإفصاح عن أي من المعلومات حول تقدم المفاوضات.
في الأثناء تواصل العائلتان الترقب لرؤية سفيان ونذير مجدداً بين أحضانهما، ويواصل زملائهم احتجاجاً "مكتوماً" لما تقتضيه القضية من هدوء وعدم إثارة جلبة حولها، لكن الأمر لن يستمر طويلاً على حاله، إذ يهدد الصحافيون التونسيون بشحذ الرأي العام للضغط على الدولتين التونسية والليبية للتسريع في تخليصهما من الاحتجاز.