حتى الآن، لا يمكن القول إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يعد يحظى بالأغلبية في الشارع. فرغم التراجع الواضح في شعبيته ــ الذي يمكن أن يلمسه أي شخص بوضوح في الأماكن العامة ــ فإنه لا يزال يحظى بالأغلبية مستنداً إلى عدة أمور، من بينها الخطابات العاطفية التي يوجهها، وغياب البديل، ودعم الجيش، إضافة إلى «مواجهة المؤامرات والمشكلات الخارجية» ونجاحه في استعادة الأمن.منذ وصول السيسي إلى السلطة باتت الشعبية الجارفة التي تمتع بها الجنرال خلال توليه وزارة الدفاع تسير إلى الخلف بتراجع مستمر، بسبب الإجراءات الاقتصادية التي يصفها دائماً بالصعبة والضرورية حتى تستمر الحياة، وآخرها إعلان قرار إلغاء الدعم الموجه لتنقية المياه تدريجياً على مدار السنوات الخمس المقبلة، وهي السنوات نفسها التي أعلنت الحكومة فيها سلفاً أنها سترفع الدعم عن الكهرباء والمواد البترولية.
يحاولون تصحيح الأمر بمزيد من الإجراءات الاقتصادية القاسية والعاجلة

ضاق الرئيس بالقدرة على تحمّل الضغوط الاقتصادية حالياً؛ فتراجع المساعدات وعجز الحكومة عن جلب الاستثمارات، إضافة إلى تراجع إيرادات قناة السويس وعائدات السياحة وغيرها من مصادر الدخل الأساسية بالعملة الصعبة، دفعته إلى إعلان المزيد من الإجراءات التقشفية التي تطاول أيضاً الطبقة المتوسطة، والأخيرة تعاني من أزمات اقتصادية خانقة مع الارتفاع الشهري المتصاعد في الأسعار.
ولا يخفى أن الأزمة مرتبطة بصورة وثيقة بعجز الحكومة عن تحقيق معدلات تنمية مرتفعة وإنقاذ الاحتياطي النقدي المصري الذي صار مختزلاً في الوادئع الذهبية والقروض والمنح التي حصلت عليها البلاد، فيما لم يحاول البنك المركزي عبر قرارات عدة تقييد عملية الاستيراد، ثم فرض الرئيس جمارك جديدة على السلع للحدّ من شراء أي منتجات بالعملة الصعبة يتوافر لها مثيل مصري.
يعرف عدد من قيادات نظام السيسي أن الخطأ الأكبر في الأمر كان مرتبطاً بسداد مستحقات الشركات العاملة في قناة السويس الجديدة بالدولار فوراً لسرعة تنفيذ المشروع، ما عكس إدارة غير رشيدة لموارد دولارية محدودة، فضلاً عن تكرار الأمر مع شركات تعمل الآن في تنفيذ مشروعات جديدة في القناة تحت ضغط ضيق الوقت الذي حدده الجنرال لافتتاحها.
والآن هم يحاولون تصحيح الأمر بمزيد من الإجراءات الاقتصادية القاسية والعاجلة لتخفيض الدعم وزيادة الأسعار، إضافة إلى تحصيل المبالغ المالية المتأخرة للحكومة لدى المستثمرين والمواطنين، ثم التهديد بتطبيق القانون في ظل خزانة دولة تعاني نقصاً شديداً في الموارد المالية، حتى على المستوى الداخلي. وجاءت تصريحات لمسؤولين غير رسميين عن الاستعداد لفرض ضرائب جديدة على السجائر، ورفع أسعار الخدمات الحكومية، لتؤكد أن النظام يحاول تحصيل أي أموال لزيادة موارده.
وتتزامن الزيادات غير المبررة أمام المواطنين مع لقاءات وجولات محلية يجريها السيسي داخل مصر، ويتحدث خلالها على الهواء، ويؤكد أننا لا نزال بحاجة إلى تضحيات وتنازلات أكثر، فيما لم يعد يتحدث عن تقنين رواتب العاملين في المناصب العليا، مع أنه يمنح زيادات دورية لرواتب ضباط الجيش بين حين وآخر كي يتحمل هؤلاء الغلاء.
يحاول الجنرال في حديثه دائماً أن يكون صاحب إنجازات؛ فخلال جولته الاخيرة في مدينة أكتوبر استعرض عشرات المشروعات القديمة، التي لم يكن له علاقة بها، ونظر إليها على أنها مشروعات رابحة في عهده تحقق دخلاً إضافياً لخزانة الدولة، من دون أن يثير المسؤولون عنها أي اعتراضات. كذلك تجاهل الحديث عن ارتفاع أسعار العقارات وتوقف تنفيذ المشروعات التي أعلنها، على غرار مشروع الألف مصنع والمليون وحدة سكنية، فيما ضمّت مع مشروعات عدة أخرى للإسكان.
حديث السيسي عن عجز الدولة عن استمرار دعم المياه الصالحة للشرب يؤكد أنه ضاق بالأموال الموجهة للدعم ويريد أخذها إلى المشاريع الضخمة التي يرغب في أن تخلد اسمه رئيساً للجمهورية، فهل سيستمر الشعب في الصمت؟