غزة | يحتل الخوف مساحة كبيرة في عيون النازحين الفلسطينيين المدمرة بيوتهم مع اقتراب دخول فصل الشتاء، وسقوط الأمطار على نواحٍ متفرقة من القطاع، وبخاصة أن منهم من لا يزال يعيش تحت خيمة لا تقي حرا ولا بردا.
وفي الوقت الذي يبني فيه المتضررون آمالا عريضة على مؤتمر الإعمار المنعقد في القاهرة، يتطلع أصحاب البيوت المدمرة جزئيا إلى إيواء عاجل، ولاسيما أن منهم من اخترقت الأمطار الخفيفة نوافذه المحطمة بفعل الحرب، وآخرون تقاطرت مزاريب المياه إلى غرف نومهم عبر السطح المتآكل.
حتى أولئك الذين هدمت بيوتهم كليا وواقعهم أحسن حالا، بصفتهم يقيمون داخل مدارس الايواء التابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، فهم أشاروا إلى أن تلك المدارس ليست بديلا حقيقيا عن المأوى الأساسي الذي أصابته لعنة الحرب، لأن نوافذ الفصول التي يقيمون فيها تبعث عليهم بردا قارسا أثناء الليل.
وتقول أم علي أحمد إن أطفالها يعانون جراء تعرضهم لتيارات باردة خلال ساعات الليل، مؤكدة أن الأغطية التي يتدثرون بها لا تقي لسعة البرد التي تسري في أجساد الصغار.
أم علي التي فقدت منزلها في شمال قطاع غزة تصلي لله ولسانها يلهج بالدعاء بأن يمن عليها القدر بإيواء عاجل يحررها من ضيق المأوى الحالي، ويعيد إليها الأمان الذي كانت تشعر به في بيتها المدمر. وتتطلع السيدة الأربعينية إلى أن يقر المانحون الدوليون الأموال المخصصة لإعادة الإعمار والمقدرة بنحو أربعة مليارات دولار، وفقا لمشروع قدمته السلطة الفلسطينية.
هناك، داخل قرية خزاعة أقصى شرق محافظة خانيونس جنوبي قطاع غزة، لم يبرح أبو أحمد قديح، المذياع وقت انقطاع التيار الكهربائي، لعله يظفر بخبر يستلهم منه الأمل بإعادة بناء بيته المدمر عما قريب.
يجلس أبو أحمد أمام «كرفان» إغاثي قدمته مؤسسة خيرية لإيواء أسرته المكونة من خمسة أفراد، ويقول وهو يرتشف سيجارته بشراهة: «لسنا متسولين، العالم كله مطالب بأن يعيد إلينا منازلنا المدمرة، ذلك على ضوء ما قدمناه من تضحيات فداءً لكرامة الأمة».
وأضاف بكلمات مختلطة بالجد والهزل: «إذا لم يعيدوا بناء منازلنا، فسنبنيها حتى لو بالطّين»، ثم يشير بإصبعه إلى الحي الذي كان يقيم فيه واصبح تلالا من ركام، قائلا إن فيه عشرات المكلومين الذين توزعوا ما بين مراكز الإيواء والاقامة في «كرفانات»، بينما استأجر آخرون منازل خارج نطاق البلدة الحدودية.
ويبدو واضحا أن أكثر ما يقلق النازحين، هو احتمال تكرار سيناريو عامي 2009 و2012 لإعادة الإعمار، في ظل غياب وجود التزامات حقيقية من الاحتلال الاسرائيلي، وتراجع الكثير من الدول بما فيها العربية عن دعم القضية الفلسطينية.
في المقابل، كذّب المواطن محمود موسى الذي جرى تدمير منزله في حرب «الجرف الصامد» على غزة، كل الوعود، قائلا: «ما لم يتبدل حال هذه الخيمة إلى منزل، فستبقى كل تلك الوعود مجرد كذبة، وحقن تخدير».
وأضاف موسى الذي يقيم في خيمة بجوار أنقاض منزله في محافظة رفح، أقصى جنوب القطاع: «أكثر ما يقلقني هو كيف سنستمر في العيش هنا... إذا اشتدت الأمطار قوة فستهدم الخيمة فوقنا!».
وأكد أنه إذا ما كان من الصعوبة في مكان إعادة إعمار المنازل المهدمة في الوقت الراهن، فمن الضروري أن يبحث المسؤولون عن خيارات أخرى ليقوا النازحين خطر الشتاء الذي يعصف بمكان إقامتهم.
تجدر الإشارة إلى أن بعض المهدمة بيوتهم جزئيا عادوا إلى استصلاحها من جديد، ليقيموا فيها بدلا من استئجار مساكن جديدة، لا يقوون على دفع مستحقاتها الشهرية، لكنها تمثل خطرا بالغا عليهم، وخصوصا بعدما راج فيديو لأحد البيوت، فهو يصمد طويلا وهو يقف على أعمدة متآكلة لينهار بعد شهرين من الحرب مخلفا دمارا واسعا.
المشكلة الأعقد أنه ليس بمقدور الغزيين المتضررين من الحرب، أن يعيدوا بناء ما دمره الاحتلال، على ضوء استمرار إسرائيل في حجب إدخال مواد البناء اللازمة للقطاع. وبذلك سيظل المواطنون يعانون الأمرين إلى حين التوصل إلى أحد الحلين، فإما أن تفي الدول المانحة بوعودها في ما يخص الإعمار، وإما أن يُسمح بإدخال مواد البناء إلى غزة.