تبدو أنقرة كالواقعة بين فكّي كماشة: مسلحو «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي من جهة، وقوات الجيش السوري المتقدمة في ريف حلب الشمالي من جهة أخرى.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طالب واشنطن «بالاختيار إذا ما كنت أنا شريكها، أم إرهابيّو كوباني»، كذلك اعتبر تقدّم الجيش السوري يمثلّ تهديداً لبلاده في ما يخص أزمة اللاجئين الناتجة منه.
وقال أردوغان إنّ بلاده «تواجه تهديداً» جرّاء تقدم الجيش السوري في شمال حلب، مشيراً إلى أنهم على استعداد لفتح الحدود للاجئين السوريين «إذا كان ذلك ضرورياً». كذلك، أعرب الرئيس التركي عن غضبه لدعم الولايات المتحدة «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا، والذي يعتبره الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، داعياً واشنطن إلى «الاختيار إذا ما كنت أنا شريكها، أم إرهابيو كوباني».
وقال أردوغان، «لقد زار (المبعوث الرئاسي الأميركي) كوباني فيما ينعقد مؤتمر جنيف (حول سوريا)، وتسلم لوحة ممّا يسمى قائد وحدات حماية الشعب... كيف يمكننا أن نثق (بالتحالف)»؟
وكرر أردوغان القول إن «حزب الاتحاد الديموقراطي هو نفسه حزب العمال الكردستاني»، مذكّراً بأن الأخير مصنّف «إرهابياً» من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويأتي تصعيد أردوغان الكلامي ضد حلفائه «الأطلسيين» بعد أن انتقد، أول من أمس، «تجاهل المجتمع الدولي للممارسات الإرهابية التي يرتكبها حزب الاتحاد الديمقراطي»، قائلاً إن «الأسلحة التي يستخدمها عناصر الحزب تابعة للدول الغربية، ولمن يدّعون أنهم يحاربون الإرهاب».
وأتت تعليقات الرئيس التركي بعد أسبوع على زيارة قام بها مبعوث الرئيس الأميركي لدى «التحالف الدولي»، بريت ماكغورك، إلى مدينة عين العرب (كوباني) السورية، الخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب»، حيث أجرى مباحثات مع ممثلين عن «قوى سوريا الديمقراطية». وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت أن الزيارة استمرت ليومين، قام خلالها المبعوث، يرافقه وفد عسكري من «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن، بجولة في «كردستان سوريا»، على حدّ تعبير الوزارة التي أشارت إلى أن اللقاءات سيكون لها أثر في سير التطورات في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن «الاتحاد الديموقراطي» هو الحزب الكردي الأبرز في سوريا.
وفي تعليقٍ، رداً على الإدانات الواسعة للحملة التي يشنّها الجيش وقوات الأمن التركية على منطقة جنوبي شرقي البلاد، ذات الغالبية الكردية، قال أردوغان إن الأهالي هناك لم يتركوا مناطقهم، بل قاموا بتغيير أماكن إقامتهم، كي يسهّلوا مهمة القوات التركية في القضاء على الإرهابيين، ليساهموا في نجاح تلك العمليات العسكرية! وأضاف الرئيس التركي أن أهالي منطقتَي «جيزرة» و«سور»، التابعتين لولايتي شرناق وديار بكر، سيعودون إلى ديارهم بعد إعادة الإعمار، التي ستبدأ «فور تطهير المنطقتين من العناصر الإرهابيين». وفي هذا السياق، أعلنت رئاسة هيئة الأركان التركية، يوم أول من أمس، مقتل 18 من عناصر ومناصري «العمال الكردستاني»، مع استمرار الحملة التي تنفذها القوات التركية في المناطق نفسها.
أردوغان: الأهالي في شرقي البلاد لم يتركوا مناطقهم بل غيّروا أماكن إقامتهم!

وفي سياق متصل، أعربت تركيا عن استعدادها، «في حال الضرورة»، لفتح حدودها أمام آلاف السوريين الذين نزحوا إلى حدودها الجنوبية الشرقية، هرباً من المعارك بين المسلحين الإسلاميين في ريف حلب والجيش السوري وحلفائه، الذين يتقدمون في المنطقة. وأعلن أردوغان، أول من أمس، أن بلاده مستعدة لفتح حدودها أمام اللاجئين السوريين، قائلاً إن «النظام يسد الطريق على قسم من حلب... إذا وصل (النازحون) إلى أبوابنا، وليس لديهم خيار آخر، وإذا كان ذلك ضرورياً، فسنضطر الى السماح لإخواننا بالدخول»، وذلك فيما قال مسؤول تركي، رفض الكشف عن اسمه، إن «الحدود مفتوحة للحالات الطارئة».
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد قال في حوار مع صحيفة «إن أر سي هاندلسبلات» الهولندية، أول من أمس، إن بلاده لن تغلق أبوابها أمام النازحين، في حين «يواصل النظام السوري استهدافه للمدنيين والمستشفيات والمدارس، مدعوماً من روسيا وإيران، خلال مفاوضات جنيف الخاصة بسوريا». وقال جاويش أوغلو إنه في حال لم يتوقف هجوم الجيش السوري وحلفائه، «فإن الأمر لن يقتصر على نزوح 50 ألفاً أو 70 ألفاً، لأن هناك نحو ثلاثة ملايين شخص يعيشون في منطقة حلب، ويوجد في الوقت الراهن 2.5 مليون لاجئ سوري في تركيا، وفي حال قدوم مليونين آخرين، فإن العدد سيرتفع إلى 4.5 ملايين، ولا يمكن لتركيا أن تتحمل هذا العبء وحدها».
وفي هذا الحين، واصلت ألمانيا وفرنسا ضغوطهما على تركيا لتزيد الأخيرة من جهودها للحد من موجة اللجوء والهجرة إلى القارة العجوز. ودعا وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، يوم الجمعة الماضي، إلى تعزيز «الشراكة» بين أوروبا وتركيا لمكافحة شبكات المهربين والحد من التدفق البشري، معبّراً عن «الامتنان الكبير» من فرنسا والاتحاد الأوروبي لالتزام تركيا التعاون حول هذه المسألة، معتبراً أن من الضروري «تعزيز الشراكة بسرعة». وكان كازنوف قد وصل صباح الجمعة الماضي إلى أثينا، مع نظيره الألماني توماس دي ميزيير، حاملين رسالة أوروبية مغزاها أن «اتفاقية شنغن (العبور الحر للمواطنين الأوروبيين بين دول الاتحاد) باتت في خطر»، ما لم يتم الاتفاق على الوسائل الكفيلة بضبط حدود القارة.
(الأخبار، أ ف ب، نوفوستي، الأناضول)