من الواضح أن موافقة قطر على الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش» بقيادة الولايات المتحدة، لم تشفع لها ولم تجنّبها التساؤلات عن الدور الذي يمكن أن تؤديه، في ظل علاقتها الواضحة بالإسلاميين المتطرفين؛ فازدواجية العلاقة القطرية مع الجماعات الإسلامية من جهة، ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى، مثلت محور تقرير متكامل في مجلة «فورين بوليسي»، أمس، خلص في النهاية إلى أنه يمكن توظيف العلاقة الأولى بهدف دعم وتطوير الثانية.
بالنسبة إلى كاتبة التقرير إليزابيت ديكنسون، فإن «الإمارة الصغيرة الغنية بالغاز ضخت ملايين الدولارات لمعارضين سوريين وسلفيين متطرفين، من خلال شبكة تمويل غامضة، في سبيل بناء سياسة خارجية أكبر من حجمها».
ولكن كيف وصلت قطر إلى هذه المرحلة وأصبحت لاعباً أساسياً على الساحة السياسية والعسكرية يُحسب له حساب في الأروقة الأميركية؟
أشارت ديكنسون إلى أن الدوحة أصبحت محور استقطاب للمتطرفين في أوائل عام 2000، حين بدأت الحكومة القطرية بتمويل معاهد أبحاث وجامعات تضم العديد من أصحاب الفكر الإسلامي المتطرف. وفي هذا الوقت، كانت قناة «الجزيرة» الفضائية المموّلة من قطر تدأب على الترويج بطريقة إيجابية للشخصيات الإخوانية في الشرق الأوسط، ومن بينها الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، الذي كان يعمل مستشاراً لأفراد من الأسرة الحاكمة، والذي ترأس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين في الدوحة.
ديكنسون أوضحت أنه على مدى سنوات، كان السياسيون الأميركيون على استعداد لتجاهل شبكة العلاقات التي تنتهجها الدوحة أو حتى الاستفادة منها من وقت لآخر، الأمر الذي لم ينطبق على جيرانها. «فخلال العام الماضي، أعلنت الدول الخليجية كالسعودية والإمارات والبحرين رفضها دعم قطر للإسلاميين في المنطقة، علناً، كما هدّدت بإغلاق حدودها مع قطر أو حتى بإلغاء عضويتها في مجلس التعاون الخليجي في حال عدم رضوخ هذه الدولة»، وفق ما أضافت المجلة.
إضافة إلى ذلك، انتهجت هذه الدول أساليب أخرى تدفع قطر إلى الرضوخ عبر الحرب الإعلامية التي خاضتها ضدها، والتي دفعت بالأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى التشديد على أن «قطر لا تدعم المتطرفين».
من هنا، كانت نقطة التحوّل، فما تمر به قطر حالياً، من ضغط إعلامي وتجنّب الكثير من البلدان التعامل معها، إضافة إلى المطالبة بعزلها، غير مناسبة جميعها بالنسبة إليها في الوقت الحالي، لأنها تستعد لاستضافة كأس العالم لعام 2022، لذا رضخت أخيراً لطلبات الدول الخليجية، من خلال طرد مجموعة من قادة «الإخوان المسلمين» من أراضيها.
ولكن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من استثمار العلاقات القطرية مع الإسلاميين على مستوى آخر.
فقد أوضح تقرير «فورين بوليسي» أن «الدولة الخليجية الصغيرة» كانت لديها الحرية لإدارة شبكة علاقاتها، خلال السنوات الثلاث الماضية، «ذلك أن الولايات المتحدة كانت تنظر إلى الجهة الأخرى»، الأمر الذي فتح المجال أمامها للظهور على نحو أوضح والتدخل، فكانت نقطة الانطلاق في ليبيا، لتنتقل بعدها إلى مصر وسوريا.
كذلك أكدت المجلة أن تحالف الولايات المتحدة مع قطر، منحها المزيد من الحرية والقدرة على التصرف، حيث اكتفت واشنطن خلال الفترة الماضية بمطالبة الدوحة بالتوقف عن إمداد المجاهدين بالطائرات والأسلحة، ولكنها لم تستجب بل استمرت في دعمها للمتطرفين.
ورغم كل ذلك، لطالما لجأت الولايات المتحدة إلى قطر في عدة صفقات مع الإسلاميين. ومثال على ذلك طلب واشنطن من الدوحة التواصل مع حركة «طالبان» في أفغانستان في عامي 2011 و2012، حين كان الهدف المساعدة على تسهيل خروج قوات «حلف شمال الأطلسي» من أفغانستان من خلال حل سياسي، ولكن مع الوقت جاءت النتائج عكس ما كان الأميركيون يتمنون. فقد نقلت المجلة عن أحد المسؤولين الأميركيين السابقين قوله إن «القطريين مجموعة من الهواة، الذين ورطوا أنفسهم في موقف صعب الخروج منه، وأزمة أكبر منهم»، مشيراً إلى أن «هذا ما حدث مع طالبان، حيث لم تستطع الدوحة السيطرة على الموقف، ومن منع المجاهدين الأفغان من ارتكاب المزيد من أعمال العنف».
أما على خط آخر، فقد أشار التقرير إلى أنه في ظل الفوضى المستشرية في سوريا والعراق حالياً، فإن «هاتين الدولتين مليئتان بمجموعة كبيرة من العناصر المتطرفة، التي لا تريد واشنطن التفاوض معها»، مضيفاً أن «قطر هي من ستتولى هذه المهمة».
وفي هذا الإطار، كان اللجوء إلى قطر للتفاوض من أجل إطلاق عناصر قوات حفظ السلام الـ45 الذين اختطفتهم «جبهة النصرة»، الأمر الذي انتهى بنجاح في 12 أيلول. ووفق التقرير، رغم أن قطر أكدت في حينها أنه لم تُدفع فدية إلا أنه من المرجح أن بعض الممولين الموجودين في الدوحة قد ضغطوا على المجموعة من أجل إتمام الصفقة، أو أن ما أرادته «جبهة النصرة» في المقابل هو أمر أثمن من ذلك.
ونقلت «فورين بوليسي» عن المدرس المساعد في جامعة «كينغز كوليدج لندن» اندريا كريغ الذي يعمل مستشاراً للقوات القطرية المسلحة، اعتقاده بأن «ما يمكن أن تعطيه قطر لهذه المجموعات المتطرفة، هو الشرعية». وهو أشار في السياق، إلى أن طلبات المسؤولين في «جبهة النصرة» مقابل إطلاق عناصر حفظ السلام في سوريا، تضمنت إلغاء «الجبهة» من لائحة العقوبات في الأمم المتحدة، إضافة إلى أن «النصرة تريد أن يُنظر إليها على أنها شريك شرعي في وجه داعش، الأمر الذي يمكن أن تقدمه إليها قطر في المستقبل».
(الأخبار)