لم تحتج إسرائيل، إلى اعلان حركة المقاومة الإسلامية «حماس» انهيار نفق على 7 من رجالها، كي تعرف أن فصائل المقاومة في غزة تواصل عمليات الحفر. سبق أن اشارت تقارير إسرائيلية عدة إلى هذه الحقيقة، التي كانت وما زالت المقاومة تنتهجها استعدادا لمعركة محتملة مع العدو، وهو تحد كان ولا يزال حاضرا امام صناع القرار في تل ابيب.مع ذلك، فإن استمرار المقاومة في مراكمة قدراتها بعد العدوان الاخير على قطاع غزة الصيف الماضي، ومن ضمنها حفر الانفاق، يأتي لمنع العدو من تحقيق هدفه الاستراتيجي، المتمثل بتجريد القطاع من السلاح. ايضا، فإن المظلة التي وفرتها معادلة الردع المتبادل، برغم تفاوت القوة بين الطرفين، مكنت «حماس»، وبقية فصائل المقاومة من مواصلة مراكمة قدراتها. ومن الطبيعي أن تركز "حماس" على حفر الانفاق، وذلك على خلفية استخلاص العبر من المواجهة الاخيرة، وخصوصاً بعد الانجازات المهمة التي حققتها هذه الأداة الاستراتيجية وتحديدا لجهة الأنفاق الهجومية.
يرى نتنياهو أن
مصلحته تكون بتحقيق أطول فترة ممكنة من الهدوء مع القطاع

الحملة السياسية والاعلامية في إسرائيل، التي تمحورت حول خطر الانفاق في قطاع غزة، استحضرت الخيارات العملانية امام إسرائيل، التي يندرج مجملها ضمن عنواني الضربات الوقائية والاستباقية. ولما كان مستبعدا امتناع الإسرائيلي عن شن ضربات استباقية، إذا توافرت معلومات استخبارية مركزة، عن عملية وشيكة ستنفذ عبر احد الانفاق. تبقى المعالجة المطروحة هي امكانية شن جيش العدو هجمات وقائية ضد الانفاق. ملاحظة: الضربات الوقائية هي المبادرة إلى ضربات تستهدف عملية بناء قدرات العدو وتحديدا عندما يتعلق الامر بقدراته الاستراتيجية من دون وجود اي علاقة بموعد تفعيل العدو لهذه القدرات. اما الضربات الاستباقية، فهي المبادرة إلى مهاجمة العدو، قبل أن يهاجم، ويتبلور ذلك بناء على معلومات تؤكد أو تقدر بأنه سيهاجم في وقت قريب.
تاريخياً، كان للهجمات الوقائية موقعها الاساسي في العقيدة الأمنية الإسرائيلية. وطبقت إسرائيل هذا المفهوم في محطات عدة، أبرزها العدوان الإسرائيلي في سيناء ضمن العدوان الثلاثي عام 1956 ضد مصر، وتدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981، ومنشأة دير الزور في سوريا عام 2007، والاعتداءات المتواصلة التي تستهدف عمليات نقل الصواريخ النوعية والاستراتيجية في سوريا، التي تعلن إسرائيل أنها في طريقها إلى حزب الله في لبنان.
مع ذلك، فقد نوقشت خلال السنوات الماضية امكانية شن عملية وقائية واسعة ضد قدرات حزب الله في لبنان، لكنّ قيادة العدو تراجعت وامتنعت عن تنفيذ هذا الخيار لحسابات تتصل بالكلفة والجدوى.
والسؤال المطروح الان يتمحور حول امكانية تبني هذا الخيار ضد الانفاق وقدرات فصائل المقاومة في غزة؟
مهما كانت المبررات التي يجري تداولها في الساحة الإسرائيلية والمتصلة بالشرعية الدولية والداخلية لعملية وقائية ضد القطاع، فإن نقطة الارتكاز الاساسية ليبحث صانع القرار السياسي والامني في تل ابيب مثل هذا الخيار، تقوم اولا على تقدير جدوى هذه العملية ومدى امكانية حذف هذا التهديد الذي يتراكم، وفي الوقت نفسه حجم الكلفة والاثمان التي سيدفعها صانع القرار الإسرائيلي، وبعد ذلك تأتي الاعتبارات الاخرى.
في ظل الظروف الداخلية والاقليمية المحيطة بإسرائيل، يبدو رئيس حكومة العدو بينيامين نتنياهو وطاقمه أكثر حساسية للمبادرة إلى عملية تكرر في أقصى السيناريوهات نسخة العدوان الاخير على القطاع، «الجرف الصامد»، لأنها قد تنطوي على خسائر مؤلمة من دون حلول جذرية للتهديد الذي تمثّله المقاومة في غزة. ستعدّ العملية دليلاً اضافيا على فشل العملية السابقة، وخصوصاً أنها لن تحقق أكثر مما حقق خلال 51 يوماً من العدوان. وستفتح مبادرة كهذه على نتنياهو أبواق اليمين المتطرف الذي سوف يطالبه من جديد بالحسم العسكري في القطاع.
عادة ما تكون قيادة العدو أكثر حساسية ازاء قرارات بشن عمليات عسكرية ترى أنها غير ملحة ولا يوجد ما يبرر للمبادرة الفورية اليها، وخصوصاً اذا كانت النتائج غير مضمونة على مستوى الكلفة والجدوى، والعدوان يندرج ضمن ما يسمى «حروب الخيار»، لأن العدو لم يهاجم ولا أحد يعلم إن كان سيهاجم في المدى المنظور.
إلى ذلك، يبدو أن نتنياهو يرى أن مصلحته تكون بتحقيق أطول فترة ممكنة من الهدوء مع القطاع، كتعبير عن مفعول قدرة الردع الإسرائيلية التي عززها – بنظره – في العدوان الاخير. أضف إلى أنه لا يرى أن معالجة الواقع في القطاع أولوية ملحة، بغض النظر عن الاثمان في هذه المرحلة، إلا بمقدار ما يفرضه عليه من تطورات أمنية.
من جهة أخرى، ووفقا للأولويات التي يتبناها نتنياهو وطاقمه، فإن المبادرة إلى عملية عسكرية ضد الانفاق والقطاع، ستؤدي إلى انصرافه عن تطورات تشهدها الجبهة الشمالية، في سوريا، التي تحتل رأس اهتمامات القيادة الإسرائيلية. وهو ما عبر عنه وزير الطاقة المقرب من نتنياهو، يوفال شطاينتس، تعقيبا على التطورات الميدانية الاخيرة التي شهدها الشمال السوري، بالقول إن التطورات الاخيرة في سوريا تمثّل تغييرا في الميزان الاستراتيجي، وهي «أخطر استراتيجيا على إسرائيل من انفاق غزة أو مما يحدث في لبنان». وتابع شطاينتس «من الممنوع أن يخفي محاربة داعش عن أعيننا السيطرة الايرانية على سوريا. ان نتيجة ذلك على المدى الطويل تعرّض إسرائيل والمنطقة للخطر». ولفت إلى أنه «ليس بالضرورة ان تعرف إسرائيل كل نفق أو فتحة نفق هناك جهود ضخمة تبذل من اجل ايجاد حل تكنولوجي لمواجهة مثل هذا التهديد تحت الارض».