لكل شارع في لبنان محطة تلفزيونية مفضّلة، تأتي في اعلى القائمة التي يطالب بها المشاهدون في هذه المنطقة أو تلك بالتنسيق مع اصحاب شركات توزيع الـ "كايبل" او "اشتراك الستلايت". بكلام مباشر، إن مررت مساء في طريق الجديدة، فحتماً ستسمع وأنت في الشارع موسيقى بداية نشرة الأخبار عبر تلفزيون المستقبل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المنار في الضاحية مثلاً أو أم.تي.في. أو أل بي سي في الأشرفية. وفي حالات معينة، تلحظ "حظراً ذاتياً" يقيمه بعض الأفراد على قنوات "الشارع الآخر" السياسي، إذا لم يتبرع صاحب الكايبل أصلاً بحظر المحطة التي يشعر أنها لا تناسب مزاج مشتركيه.
أما في مخيم صبرا ومخيم برج البراجنة، على سبيل المثال، وعلى الرغم من تأثير البيئة المحيطة على مزاج الشارع الفلسطيني داخل المخيمين، إلا أن للتلفزيون هنا مزاجاً آخر، مزاج فلسطيني الهوى، على امتداد ساعات البث وساعات الحنين.
فلسطين اليوم، القدس، معاً، عودة، قناة فلسطين الرسمية وغيرها من المحطات الفلسطينية تجد في المخيمات جمهوراً يتابعها، يحتمي بها من فوضى الأخبار التي مهما بدت عادية تتجاذبها ألف صيغة وألف صبغة سواء في القنوات المحلية اللبنانية أو في القنوات العربية الفضائية الإخبارية.
ويلفت أبو أحمد أحد موزعي كابلات الستالايت في البرج إلى أن القنوات الفلسطينية المرغوبة جداً من قبل المشتركين من داخل المخيم ليس لها جمهور واسع خارجه. وهي قنوات مختلفة في توجهاتها السياسية، إلا أنها تتكفل بنقل النبض الفلسطيني كما هو وبكل ما فيه من عز ومن وجع، من مقاومة ومن خيانة، من أخبار تسكن القلب وتسكّنه الى أخبار "بتسم البدن" .
لذا، عند مرورك في سوق صبرا أول المساء أو في حي التحرير في مخيم البرج، قد تسمع صوت ميس شلش عبر قناة العودة وهي تؤدي "جفرا وهيه الربع"، أو تستمع إلى نشرة إخبارية فلسطينية بحت عبر قناة القدس أو قناة فلسطين اليوم أو غيرها. لا يعود الأمر مجرد خبر فلسطيني مر في نشرة الأخبار بل فلسطين بكل أخبارها. وربما، في ذلك استراحة للعائدين من ضغط اليوميات التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل في بلدان الشتات أو اللجوء.
وإن كانت يوميات فلسطين لا تقل حزناً ولا وجعاً لكنها تبقى أكثر التصاقاً بهم من أي خبر آخر، من أي وجع آخر. يبدو الأمر كأن الوطن الساكن بيوتهم وهواجسهم يدخل إليهم عبر شاشات التلفزيون وقد يصطحبهم في جولة على البلد، البلد الذي خلف الجبل البعيد. وقد يهديهم، عبر الشاشة أيضاً، أغنيات وعتابا ومواويل كثيرة، فيساعد جيلاً كاملاً من أطفال ومراهقين على حفظ هذا التراث الأكثر التصاقاً بالروح الفلسطينية.
"هدي يا بحر هدي" وأغان كثيرة تجدها محفوظة لدى أطفال تفترض أنهم لا يعرفون عما يتحدثون وعن ماذا يغنون لتتفاجأ بأن الشجن الساكن هذي اأغنيات يتسلق صوتهم وقلوبهم. ومثال على ذلك الطفل أيمن أمين المقيم في مخيم برج البراجنة، الذي أدّى الأغنية مؤخراً في برنامج "ذا فويس كيدس" فبدا وكأنه يرسم كل التغريبة الفلسطينية بكلمات يعرف تماماً كما كل جيله ما الذي تعنيه.
إذن، في عصر الصوت والصورة المتسارع ورغم تراجع نجومية التلفزيون لصالح وسائل التواصل العنكبوتية، إلا أنه ما زال يعكس أجواء وهواجس جمهوره ويدلنا عليها، وهذا لوحده سبب كاف للتحية.