صحيح أن أزمة مخيم اليرموك، جنوبي دمشق، ليست فريدة من نوعها، ضمن وضع سوريا الكارثي، وهو وضع ما زال يطيب للبعض تسميته بالثورة، وللبعض الآخر حراكاً، وهناك من يسميه مؤامرة.لكن مخيم اليرموك له خصوصيته، فكل محاولات التهدئة وتحييده فشلت. أما جديد أزمته؟ فانقطاع الماء عن المخيم منذ أيام...
وأن ينقطع الماء عن منطقة ما، يعني على الفور أن موتاً قادماً نحوها، وخاصة أن لا شيء يعوض الإنسان عن هذه المادة الأساسية للحياة، فعدم شرب الماء لمدة تزيد على ثلاثة أيام سيؤدي إلى الدخول في غيبوبة تصل بالإنسان إلى الموت حتماً.

أهل المخيم يصفون الوضع بالمأسوي، ويؤكدون أن المؤسسات العاملة على الأرض لجأت إلى بعض الآبار، وهو ما يحيل إلى احتمال انتشار أمراض خلال وقت قريب، فمياه الآبار ليست صالحة للشرب. وحين يغيب الدواء أيضاً والعناية الطبية يصبح احتمال انتشار الأوبئة أخطر بكثير.
أخذ ورد كثير في المسؤولية عن هذه الكارثة. معلوم أن الدولة السورية هي المسؤولة عن شبكة المياه، وقد يتذرع بعض المسؤولين بوجود عطل، ولكن حتى تاريخ إعداد هذه المادة (19/9) لم تحل المشكلة. وبديهياً، لا مبرر لأحد في قطع الماء عن الناس « نظراً إلى وجود مسلحين داخل المخيم،» وخاصة في ظل وجود نحو 20 ألف مدني لم يرتكبوا أي ذنب سوى البقاء في منازلهم، حفاظاً عليها من النهب والسرقة التي مورست على مدار أكثر من عام ونصف، هو عمر أزمة مخيم اليرموك التي ابتدأت في كانون الثاني/ يناير 2012.
استفحال أزمات المخيّم مثير للريبة والتأويل


وهنا لا بد من وضع من نصّبوا أنفسهم مسؤولين عن المخيم، بحجة «تحريره من النظام السوري»، أين هم من عطش الناس الذين يقبعون تحت سلطتهم؟! ومتى سيكفون عن تحميل آلاف المدنيين عبئهم، وأعباء وجودهم داخله؟! ولِمَ لم يخرجوا إلى مناطق أخرى أسوة بمناطق محيطة بالمخيم؟!
الأسئلة برسم المعارضة السورية التي اعتبرت أن المخيم أرض سورية، ولا غبار على الكلام، ولكن اعتبار المخيم سورياً، لم يدفعهم إلى معاملة أهله معاملة السوريين! وخاصة أن بين المدنيين المحاصرين من الداخل والخارج، الكثير من أهل البلاد.
وما يحدث اليوم في المخيم يحيل المتابع إلى أشهر نحو الوراء، كان المخيم يعاني أزمة جوع، استمرت أشهراً، ومات على أثرها أكثر من مئة فلسطيني وسوري، ولم تستطع مبادرات عدة لحل الأزمة بين الفصائل الأربعة عشر والدولة السورية والمسلحين داخل المخيم، علماً بأن المناطق المحيطة بالمخيم تمكنت من إنجاز مبادرات أهلية، استطاعت من خلالها أن تتجنب الأوضاع المأسوية، في حين أن المخيم لم يتمكن أحد من التوصل الى حل مأساته. وهذا أمر مريب وقابل للتأويل، وتوجيه الاتهام لبعض الجهات (عربية، دولية)، أنها لا تريد إنهاء أزمة اليرموك، ارتباطاً بمشروع أكبر يتعلق بتهجير الفلسطينيين من دول الطوق.
إغراق اللاجئين الفلسطينيين في حالات موت مستمرة بأشكال مختلفة، لا يدلّ إلا على الرغبة في دفعهم إلى الهجرة، كون لا أحد قادر على النطق بضرورة «إلغاء حق العودة إلى فلسطين»؛ والمشروع الساري المفعول في سوريا ولبنان سيكون قانونياً باسم حماية الفلسطينيين من العطش والموت جوعاً، في دول يقتلها النزاع، كونهم يتبعون لمنظمة دولية خاصة بهم.
يعطش المخيم، ويحتاج إلى رشفة ماء تنقذ طفلاً لم يستشهد حتى اللحظة، لكنه في الطريق. يستشهد المخيم أمام أعين الجميع، ويبقى سؤال: من القاتل أو من هم القتلة؟