يأتي الموقف الاسرائيلي المرحب بالحملة الدولية على «داعش» امتدادا للموقف الرسمي الذي يحاول أن يصور الصراع الذي تخوضه الدولة العبرية في المنطقة، بأنه ليس إلا عملية دفاع عن النفس في مواجهة التهديد الذي يمثله الارهاب في المنطقة. وتحاول اسرائيل استغلال الصدارة التي احتلها الارهاب في العالم الغربي، عبر توسيع نطاق هذا المفهوم واسقاطه على كافة حركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
وامتدادا للجهد الاعلامي والدعائي الاسرائيلي الرامي الى توحيد النظرة، في الرأي العام الغربي، لكل من حركات المقاومة والحركات الارهابية، سعى بنيامين نتنياهو خلال الاسابيع الماضية الى حرف المشروعية الدولية التي يتمتع بها الزخم الذي يدفع باتجاه محاربة «داعش»، لاسقاطها على الحرب العدوانية الاخيرة ضد قطاع غزة، عبر تكرار الدمج بين المقاومة في غزة و«داعش».
لا ترى اسرائيل في التمدد الارهابي في المنطقة، سواء في سوريا او العراق، مجرد تهديد، بل ترى ايضاً أنه ينطوي على فرصة كبيرة جداً ينبغي تثميرها واستغلالها الى الحد الاقصى؛
على مستوى التهديد، بموازاة الاجماع الاسرائيلي على وصف التيارات التكفيرية في المنطقة بأنها تهديد لاسرائيل، لكن ذلك ليس كافيا من منظور استراتيجي اسرائيلي لوضع هذه التيارات على رأس قائمة التهديدات التي تستوجب المبادرة الى المعالجة الجذرية. يعود ذلك الى مجموعة من العوامل على رأسها، أن اولوية هذه الحركات موجهة حصرا، ضد اعداء اسرائيل الاستراتيجيين على مستوى المنطقة. اضافة الى مستوى قدراتها التي لها تصنيفها الاسرائيلي.
في ضوء ذلك، يبقى التهديد الذي تمثله هذه الحركات والتيارات على اسرائيل تكتيكيا ونظريا. ولكونه يتسم بهاتين الصفتين في المرحلة الحالية، يمكنها أن تتعايش معه. وعلى ذلك، يأتي الموقف المهني الاسرائيلي بضرورة وضعها تحت مجهر المتابعة لمعرفة مسار حركتها وتطور قدراتها، كما اوضح رئيس شعبة العمليات في الجيش الاسرائيلي اللواء يوآف هار ايفن، قبل اشهر.
اما على مستوى الفرصة، التي يمثلها تمدد هذه التيارات، وعلى رأسها داعش، فترى اسرائيل أنها تتجاوز الاطار النظري، بل وتراهن على دخول مرحلة قطف الثمار الاستراتيجية. وأبلغ تعبير يختزن الرؤية الاسرائيلية ازاء هذه الفرصة الاستراتيجية، ما صدر على لسان نتنياهو نفسه، مخاطبا الرئيس الاميركي باراك اوباما، «عندما يقتتل عدواك، اياك ان تقوي واحداً على الآخر، بل عليك اضعاف كليهما». ( هآرتس/25/6/2014).
على ذلك، يرى نتنياهو ضرورة فسح المجال أمام قوى الارهاب والتطرف عبر ضبط حركتها بما يضمن استنزاف اعداء اسرائيل، الذين نجحوا في تغيير مسار الصراع العربي ــــ الاسرائيلي، انطلاقا من الساحة اللبنانية، وصولا الى تقييد حركتها في المبادرة الاستراتيجية على مستوى المنطقة.
وعندما تبلور توجه دولي – غربي، لتوجيه ضربات لهذه القوى، وضع نتنياهو ضابطة محددة ينبغي أن تحكم اي مبادرة عملانية، بالقول في المناسبة نفسها، «أن تقوم بالخطوات الضرورية من اجل كبح داعش في العراق، لكن على نحو لا يتيح لايران السيطرة على العراق كما تسيطر على لبنان وسوريا». وعندما اراد أن يوضح مقصده، ردا على سؤال وجه اليه، اوضح نتنياهو بالقول «معروف للجميع أن ايران تسيطر على الحكومة العراقية».
الموقف الذي حدده رأس الهرم السياسي في اسرائيل، يعكس توجها رسميا اسرائيليا بضرورة ابقاء العراق ضعيفا، ما دام من المتعذر احكام السيطرة على القرار السياسي والامني، لحكومته المركزية. وعادة ما تترجم هذه التوجهات، مساعي وجهودا دبلوماسية مع الولايات المتحدة ترمي الى ابقاء هذه الضابطة في علاقة الولايات المتحدة مع العراق، وهو ما كانت نتائجه واضحة للعيان طوال الفترة الماضية، حتى في مرحلة ما بعد تمدد «داعش».
ويسود قدر من القلق الاسرائيلي في ظل التوجه والتركيز الاميركي على الخطورة التي يمثلها تمدد «داعش» خارج الحدود المرسومة، من أن تجد الدول الغربية نفسها مضطرة الى طلب العون من ايران، في مواجهة تلك الحركة الإرهابية، بعدما خرجت عن الحدود المرسومة لها، بالحد الادنى أن تتراجع اولوية هذا الملف لمصلحة معالجة ملفات أخرى، وصولا الى تحوله الى قيد على حركة الولايات المتحدة في مواجهة ايران، وهو ما دفع العديد من المسؤولين الاسرائيليين للتحذير من ان ينعكس هذا الواقع المستجد على طاولة المفاوضات النووية.