صنعاء | تقف الأوضاع في اليمن على فوهة بركان يكاد ينفجر في وجوه كل الأطراف اليمنية الممسكة بأصابعها على زناد البنادق، استعداداً لمعركة كسر عظم بين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحلفائه وبين جماعة «أنصار الله»، خصوصاً مع توالي سقوط الحوثيين برصاص قوات الأمن للمرة الثانية خلال يومين.
وسقط سبعة قتلى على الأقل، أمس، وأصيب عشرات بجروح، بالإضافة إلى تسجيل حالات اختناق بالغازات المسيلة للدموع إثر منع قوات الأمن والجيش إقامة اعتصام للحوثيين في باحة مجلس الوزراء وسط صنعاء.
هذا التصعيد المفاجئ الذي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من شأنه تأزيم الأوضاع أكثر بين الطرفين، وقد يؤثر سلباً على سير المفاوضات التي تحدث عنها زعيم «أنصار الله» عبد الملك الحوثي في خطابه ليل الاثنين. وهو يأتي، كذلك، بعد تحذير الرئيس عبد ربه منصور خلال اجتماع مع اللجنة الأمنية العليا للحوثيين، من التصعيد وإقلاق السكينة العامة وزعزعة الأمن والاستقرار في العاصمة ومحيطها ومختلف مناطق البلاد.

أقال وزير الداخلية المدير العام لشرطة صنعاء على خلفية أحداث الأمس


صباح أمس، توجه المتظاهرون إلى ساحة مجلس الوزراء، تلبيةً لدعوة عبد الملك الحوثي إلى أنصاره وكل اليمنيين للاحتشاد في ساحة التغيير القريبة من مقرّ الحكومة ومن إذاعة صنعاء ومصالح حكومية عدة، مثل مبنى البرلمان ووزارة الخدمة المدنية، لتنفيذ خطوة تصعيدية جديدة. واستجابةً لتلك الدعوة، حاول المتظاهرون نصب خيام للاعتصام في الساحة أمام بوابة مجلس الوزراء، غير أن قوات مكافحة الشغب وحماية المقار الحكومية التابعة للّواء الرابع حماية، منعت المتظاهرين من نصب خيامهم داخل المربع الأمني، ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات من عناصر «أنصار الله».
وتبادلت الحكومة اليمنية عبر اللجنة الأمنية العليا التي يرأسها الرئيس هادي وجماعة الحوثيين الاتهامات حول مسألة التصعيد أمس، حيث حمّلت اللجنة مسلحي الحوثي مسؤولية التحريض ومحاولة اقتحام مبنى مجلس الوزراء ومبنى إذاعة صنعاء من خلال دفع العديد من العناصر إلى محاولة اقتحام المؤسستين المذكورتين.
وقال بيان للجنة بثته وكالة الأنباء اليمنية إن «محاولة الاقتحام أدت إلى سقوط عدد من الضحايا من حراسات مجلس الوزراء وإذاعة صنعاء ومن محاولي الاقتحام، بسبب إطلاق النار من قبل عدد من الأشخاص المنتشرين في محيط الإذاعة ومجلس الوزراء ومن أوساط محاولي الاقتحام الذين تقوم الأجهزة الأمنية حالياً بالبحث عنهم وتعقبهم تمهيداً لضبطهم وإحالتهم على الجهات المختصة».
وبحسب البيان، إن «حراسات مجلس الوزراء وإذاعة صنعاء لم تقم بإطلاق النار الحي نحو محاولي اقتحام مجلس الوزراء، محملاً القيادات الحوثية مسؤولية التحريض على اقتحام المنشآت والمؤسسات العامة وما يترتب على ذلك من خسائر في صفوف المواطنين والممتلكات الخاصة والعامة».
أما موقف «أنصار الله» الذي جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم الجماعة محمد عبد السلام، فقد تمحور حول سعي السلطة إلى فرض خيارات أخرى غير الخيار السلمي والشعبي على الشعب، و«ذلك عبر قمعها للمسيرات السلمية الذي بدأ من شارع المطار واليوم (أمس) أمام رئاسة الوزراء».
وأضاف عبدالسلام في بيان نشر على موقع «أنصار الله» الإلكتروني: «لقد أثبت الشعب اليمني في ثورته السلمية سعيه للضغط على السلطة للاستجابة لمطالبه المحقة والعادلة»، مشيراً إلى أن السلطة تريد القول: على الشعب أن يدرك أن الخيارات السلمية ليست مقبولة ولا مطروحة وأن التظاهرات السلمية والتعبير الحضاري غير مقبول ولا مجدٍ في تصحيح الوضع.
وأكد عبد السلام أن الرصاص المباشر والقتل لن يثني الشعب عن التمسك بمطالبه، بل سيتمسك بمطالبه أكثر وأكثر، مطالباً «الشرفاء والأحرار بإدانة هذه التصرفات الهوجاء بحق التعبير السلمي والحضاري».
يرى كثيرون أن ما حدث أمس للمتظاهرين أمام رئاسة الوزراء هو تكرار لسيناريو الأحداث التي واجهت المتظاهرين خلال «ثورة 11 فبراير» 2011، وهو دليل على انتهاج الحكومة الحالية ـ التي جاءت عبر تلك الثورة للسلطة ـ لأساليب النظام السابق نفسها. ويعتقد البعض أن انجرار السلطة للعنف في مواجهة المتظاهرين، جاء بعد تلقي الرئيس هادي الكثير من الوعود من الرياض بدعم الجيش اليمني، إذا قرر الرئيس المضي قدماً في إعلان حرب عسكرية ضد «أنصار الله» الحوثيين، بسبب المخاوف السعودية الكبيرة من سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن الذين تتهمهم بأنهم أحد الأذرع الإيرانية في المنطقة.
لا شك في أن الساعات القريبة المقبلة ستسفر عن تطورات كبيرة، ستحدد مسار الأوضاع في اليمن، خصوصاً مع اشتعال فتيل النزاع المسلح بين الحوثيين وقوات الجيش في منطقة حزيز جنوب العاصمة صنعاء، حيث أفاد شهود عيان عن توتر الأوضاع هناك واندلاع مواجهات محدودة واستمرار وصول تعزيزات للطرفين، بعد نشر نقاط جديدة للجيش في المنطقة وتمترس المسلحين الحوثيين في إحدى مدارس المنطقة مقابل قيادة معسكر قوات الاحتياط في منطقة السواد الذي يعد أحد أهم وأكبر معسكرات الجيش جنوب العاصمة اليمنية صنعاء.
وينتشر آلاف المسلحين التابعين لجماعة «أنصار الله» في مخيمات محيطة بالعاصمة وعلى مداخل المدينة من جهاتها الأربع، ويهدد الحوثيون بإقفال منافذ العاصمة في حال تعرُّض المعتصمين التابعين للجماعة في صنعاء لأي اعتداء من قبل القوات الحكومية.
وعلى صعيد متصل بالأحداث المتعلقة بما جرى في محيط مجلس الوزراء، قالت مصادر إعلامية إن وزير الداخلية اليمني عبده حسين الترب، أصدر قراراً وزارياً بإقالة المدير العام لشرطة صنعاء، وذلك على خلفية سقوط قتلى في أحداث مجلس الوزراء، وذلك ثاني قرار إقالة لمسؤول أمني على خلفية الاعتداء على المتظاهرين المطالبين بإسقاط الجرعة وإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، حيث كان الرئيس هادي قد أقال يوم أمس قائد قوات الأمن الخاص اللواء فضل القوسي، بعد مهاجمة قواته مخيماً للحوثيين في طريق المطار شمال العاصمة، وهو ما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة العشرات بجروح.