القاهرة | حزمة من المشروعات القومية أعلنتها الرئاسة المصرية خلال الفترة القصيرة الماضية: تنمية محور قناة السويس، المثلث الذهبي، تنمية الساحل الشمالي الغربي، منخفض القطارة، المشروع القومي للطرق. وتبعت هذا الإعلان حملات إعلامية واسعة النطاق، مؤيدة ومبشرة بـ»الخير» الذي يُنتظر أن يسري من وراء المشاريع في شرايين اقتصاد شارف على الانهيار.
لكن التأييد غير الحذر من قبل «جموع النخبة» ومن معظم وسائل الإعلام تجاهل إرث مصر مع المشروعات القومية، مثل: توشكى، وشرق التفريعة، وفوسفات أبو طرطور، وشرق العوينات، وترعة السلام؛ مشاريع استنزفت قدراً غير قليل من مقدرات الدولة من دون تحقيق أي من العوائد الموعودة منها في حينه. وللإشارة، فإن دراسة حول المشروعات القومية على مدى 30 عاماً، أعدها رئيس مركز الدراسات الاقتصادية صلاح جودة، وصلت إلى نتيجة مفادها بأن الدولة خسرت ٧٩ مليار جنيه بسبب هذه المشروعات. وما يثير التوجس هو أن بنية النظام الذي أشرف على تلك المشروعات الفاشلة مازالت على حالها لم يمسها معول التغيير.

عرض لثلاثة مشاريع: تنمية محور قناة السويس

هو المشروع الأضخم، والأكثر إثارة للجدل. قناة موازية لقناة السويس بطول نحو 73 كلم، تشمل ٣٥ كلم «حفر جاف» ونحو ٣٧ كلم توسعة وتعميق للمجرى الحالي للقناة. وتبلغ تكلفة المشروع نحو ٨.٣٩ مليار دولار، وفقاً لمعلومات أولية دفعت بها الحكومة إلى وسائل الإعلام كافة.
لكن وللمثال، ففي ما يخص الحفر في الأراضي الجافة، لم يمر أسبوعان على بدء العمل إلا وظهرت المياه الجوفية في تسعة مواقع على أعماق تتراوح ما بين ٩ و١٢ متراً، الأمر الذي سيترتب عليه زيادة كبيرة في تكلفة المشروع، إضافة إلى زيادة المدة الزمنية التي كانت محددة للانتهاء منه. وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد أمر بتخفيض المدة من ثلاثة أعوام إلى عام
واحد.
ليس هذا التراجع الوحيد في ما وعد به السيسي، إذ أعلن في وقت سابق أن مشروع «تنمية القناة» سيُطرح للمصريين على هيئة أسهم في البورصة، ثم عدل عن القرار ليطلب من «الجماهير» المشاركة في المشروع عبر سندات تطرحها الحكومة، لتلجأ الأخيرة بعد ذلك إلى شهادات الاستثمار بديلاً من الأسهم والسندات لتمويل المشروع.
وعند البدء في المشروع أيضاً، فوجئ القائمون عليه بقرية تسمى «الأبطال». لم تنبههم إليها الخرائط التي يحملونها، فكان أن عبرتها الجرافات، مقتلعة بيوت الأهالي من جذورها من دون سابق إنذار.
وبرغم أن مشروع قناة السويس ما زال يتلمس خطواته الأولى إلى الوجود، لكن شبهة الفساد حامت حوله منذ البداية. فبرغم طرح المشروع عبر مناقصة شاركت فيها ١٤ شركة عالمية، إلا أنه كان متوقعاً فوز تحالف دار الهندسة المصري ـ السعودي، لكون الجيش شريكاً في الدار عبر الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بحسب ما ذكر في تقرير سابق لوكالة «رويترز»، وهو ما كان.

المثلث الذهبي

المشروع القومي الثاني يتمثل في تنمية منطقة البحر الأحمر، أو ما بات يعرف بالمثلث الذهبي. وأعلنته من قبل حكومة الدكتور حازم الببلاوي، ويتكون من مثلث تنمية: رأسه في محافظة قنا (جنوب مصر) وقاعدته تمتد بين مينائي القصير وسفاجا على البحر الأحمر، حيث يتوقع أن هذه المنطقة غنية بثروات معدنية تضم مناجم للحديد والفوسفات والكوارتز.
وبرغم أن المشروع يغذي خيال الموازنة العامة بالحد من عجزها المتزايد خلال السنوات الماضية بمقدار ١٠٪، لكن سياسة الحكومة تهدد بأن يذهب القسم الأكبر من هذه الثروات إلى جيوب رجال الأعمال، الذين يحاذرهم النظام حذر الإغريقي من غدر آلهته. فالأزمة الاقتصادية الطاحنة لم تدفع بالنظام إلى أن يمس ثروات هؤلاء المتضخمة بفعل عقود من الفساد. ولو فتح ملفاً واحداً من ملفات فسادهم كالاستيلاء على أراضي الدولة بأبخس الأثمان، وبيعها في اليوم التالي، لكان هذا الملف وحده كفيل بأن يُغني النظام عن «التسوّل» عبر صندوق «تحيا مصر»، الذي دشنه السيسي أخيراً كوسيلة «مهذبة»، لاسترداد جزء من أموال الدولة المنهوبة.
بالتوازي مع هذا المشروع تجدر الإشارة إلى أن المناجم والمحاجر تعمل إلى اليوم تحت مظلة قانون صدر عام ١٩٥٦ يبيح، إثر عدم تعديله وتطويره، كنوز الأرض للمستثمرين بالمجان تقريباً. وقد حاولت الدولة استبدال هذا القانون مرات عدة، ثم تراجعت تحت ضغط رجال الأعمال. وهناك محاولة جديدة تجرى حالياً لإعداد قانون للثروة المعدنية يواكب المشروع القومي في المثلث الذهبي، فهل يسري عليه ما سرى على المحاولات السابقة؟

منخفض القطارة

هو أسن المشروعات القومية المعلن عنها، إذ تعود فكرة المنخفض إلى عام ١٩١٦، لكنه استحدث عبر التصديق على إنشائه في ٢٧ آب الماضي. الفكرة ألمانية طرحها للمرة الأولى أستاذ الجغرافيا في «جامعة برلين»، هانز بنك، إذ فكر في تحويل مجرى نهر النيل ليصب في منخفض القطارة الواقع في الصحراء الغربية ليُستخدم في توليد الكهرباء، وتتكون فيه بحيرة مياه عذبة كخزان مائي ضخم.
أقيمت حول الفكرة العديد من الدراسات، في مختلف العصور، لكن المشروع كان يتعطل تنفيذه في كل مرة لسبب مختلف.
إحياء المشروع راهناً يتجاهل تحديات عدة، أبرزها ما طرحه عدد من الخبراء من أن المجرى المائي الذي سيمتد بطول ٧٥ كيلومتراً من البحر المتوسط إلى المنخفض الذى يصل عمقه إلى ١٤٥ متراً تحت سطح البحر، سيدمر مخزون المياه الجوفية في الصحراء الغربية، إضافة إلى أن تسرب المياه المالحة إلى الدلتا، وهو احتمال قائم بقوة، سيملح التربة، وبالتالي سيقضي على الزراعة في المنطقة.