دمشق | منذ نحو أسبوعين، يعاني قاطنو منطقة دمّر ومحيطها ارتفاع ساعات تقنين التيار الكهربائي إلى حدود غير منطقية. أكثر من 20 ساعة في اليوم يقضيها الأهالي في الظلام. أما الساعات الباقية، فتعيش أعصابهم على «توتر عال» في محاولات منهم استثمار هذا الوقت القصير لإنجاز أعمالهم اليومية.
ليست الحرب هذه المرة السبب وراء انقطاع التيار الكهربائي. السبب هو «الانجازات السياحية» الجديدة للحكومة المؤلفة حديثاً. ارتفاع ساعات التقنين على هذا النحو بدأ بعد افتتاح «المجمّع الترفيهي»، الذي حمل اسم «up town»، والذي شاركت فيه رموزٌ حكومية كبيرة، من ضمنها رئيس الحكومة وائل الحلقي. حَمل افتتاح المجمّع، في الوقت العصيب الذي تمر به البلاد، إشارات غير مريحة لأبناء المنطقة. يقول باسل مهنا، وهو طالب جامعي من ضاحية قدسيا، لـ«الأخبار»: «عادة ما يُنظر إلى منطقتنا على أنها منطقة أثرياء، ولكن هذا غير صحيح، فالمنطقة التي يقطنها الأغنياء محصورة جدّاً، في حدود حي مشروع دمّر، أما الأحياء اللصيقة بهذا الأخير، التي لا تبعد عنه سوى عشرات الأمتار فيقطنها الفقراء والعسكريون، كوادي المشاريع وجبل الرز ودمر البلد وقدسيا وضاحية قدسيا...». هذه الأحياء تمثل غالبية تلك المنطقة، «ولا يستطيع أبناؤها الدخول إلى المجمّع الترفيهي، الذي تكلّف بعض الدقائق في ألعابه ونشاطاته نصف راتب موظّف». يضيف باسل بحسرة: «افتتاح المجمّع ذكّرنا ببؤسنا، ونبّهنا إلى أن بعض الشرائح الغنيّة، التي توليها الحكومة اهتماماً بالغاً، لم تعان مثلنا أو تدفع فاتورة الحرب كما فعلنا»، إلا أن المشكلة لم تقف عند حدود افتتاح المجمّع، بل «بالاستيلاء على حصّة الفقراء من الكهرباء لخدمة مجمّع بمقدور رواده أن يدفعوا مقابل قضاء يوم واحد فيه ما يقابل دخل موظف لعام كامل!». طبيعة المجمّع الترفيهي، بحسب بعض زوّاره، تستهلك قدراً هائلاً من الطاقة الكهربائية، «مضخات هائلة في مدينة الألعاب المائية، محركات ضخمة لتحريك معدّات الملاهي، تجهيزات ضخمة على مستوى الإنارة والتكييف... إلخ».
منذ ارتفاع ساعات التقنين، يقضي أهالي منطقة دمر ومحيطها أياماً عصيبة بسبب توقيت مجيء الكهرباء. تروي إحدى السيدات من المنطقة لـ«الأخبار» معاناتها: «الساعات الأربع التي تأتي فيها الكهرباء تكون مجزّأة على مدى اليوم الكامل. تعيش الأسرة حالة استنفار كاملة لدى مجيء الكهرباء: كل التجهيزات الكهربائية موضوعة سلفاً على الشحن وموصولة. لا يمكن قضاء الأمور التي تتطلب وقتاً طويلاً كالغسل والتبريد... ».
تخضع مدينة دمشق بكاملها لنظام تقنين التيار الكهربائي. وتراوح مدّة انقطاع التيار الكهربائي في مختلف أحياء العاصمة أخيراً بين 8 إلى 12 ساعة، وتزداد المدّة في ضواحي العاصمة وأريافها. مع ذلك، لم يسبق من قبل أن بلغت مدّة التقنين ما بلغته في منطقة دمّر لأيّ أسباب غير عسكرية وتقنية، كضرب المسلّحين لمحطات وخطوط الكهرباء، أو حدوث عطل ما. يقول أبو علي، الخمسيني من حي جبل الرز في منطقة دمّر، لـ«الأخبار»: «عندما كانت الحرب هي السبب، لم نعترض يوماً على انقطاع الكهرباء، ولن نعترض إذا كانت كذلك. فنحن شهدنا بأم أعيننا الجهود الجبارة لورش الصيانة، في كل مكان، وكيف استشهد الكثير من عمالها للحفاظ على شبكة الكهرباء. أما إذا كان الترفيه هو السبب، فلا بدّ أن نعترض!».