يبدو أن هناك من القيادة الفلسطينية من ملّ بقاء الخلافات حبيسة الشأن الداخلي حتى تكشفه المحاضر السرية التي أخرجت من أدراجها، فقرر أن يخوض المعركة على شاشات التلفاز، فيما أهالي غزة يبيتون في العراء. هناك في القطاع 130 ألف نازح ممن لم يجدوا قدرة مالية على تأمين سكن يؤويهم، وبدأ الحديث يتصاعد بين الشارع الغزي عن أن من يحاول إعمار بيته المتضرر جزئياً لن يسجل ضمن الإحصاءات الحكومية أو الدولية، أي كأن هناك من يقول لهم: ابقوا في الطرقات حتى يتفق الساسة! أمس، خرج من الدوحة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، ليرد على رئيس السلطة، محمود عباس، بالقول إن «قضيتنا أكبر من أن ننجر إلى مربع الاتهامات».
وأضاف في كلمة عبر «الفيديو كونفرانس» ضمن مهرجان نظمته حركته في صيدا اللبنانية: «بدلاً من أن نعود إلى صفحات الانقسام والتلاسن، علينا المسارعة إلى استكمال جميع ملفات المصالحة وترتيب بيتنا». وتابع مشعل: «يجب أن يجد أهل غزة بعض المكافأة. فما فعلوه أكبر من أي دعم». وتطرق في الوقت نفسه إلى التحرك السياسي الذي تنوي السلطة فعله (طلب دولة على حدود 67)، موضحاً أن «رام الله» حدثتهم بذلك «وأطلعنا الإخوة على جزء مما يدور في أذهانهم، ونحن مع أي تحرك ينسجم مع ما يجمعنا، لكن هذا يحتاج إلى شراكة، لا إلى إعلام وخبر».
كل هذا الرد جاء بعدما اتهم عباس «حماس»، بأنها لا تزال تدير غزة، مهدداً بإنهاء «الشراكة» معها في حال استمرار الوضع على ما هو. ونقلت وكالة «وفا» التابعة للرئاسة عن «أبو مازن» قوله لصحافيين مصريين في القاهرة: «هناك حكومة ظل مكونة من 27 وكيل وزارة تقود البلد، وحكومة الوفاق لا تستطيع أن تفعل شيئاً».

مشعل دعا
عباس إلى حل المشكلات بعيداً
عن الإعلام

على خط مواز، قال رئيس حكومة التوافق، رامي الحمدالله، أمس إن المفروض أن تسيطر حكومته على الضفة وغزة، «لكنها تواجه عقبات مختلفة تمنع عملها». وأكد الحمدالله أن «التوافق» تلقت تحذيرات بالمقاطعة «من كل دول العالم» في حال دفع أي أموال لموظفي «حماس» في غزة (45 ألف موظف). كما قال إن التحذير وجه إلى كل البنوك العاملة في فلسطين، معتبراً أن قضية الرواتب هي المشكلة الرئيسية مع غزة. ولمح إلى أنه تلقى تهديدات تحذره من الحضور إلى غزة حتى حل مشكلة الرواتب.
وشنت نقابة «الموظفين في القطاع العام»، المقربة من «حماس»، هجوماً من طرفها على حكومة الوفاق، قائلة إنّ قراراً سياسياً يؤخر صرف رواتبهم. وهدد المتحدث باسم النقابة، محمد صيام، أمس من أمام مقر بنك فلسطين الذي جرت مهاجمته سابقاً، مهدداً بخطوات تصعيدية بعد التعبير عن رفضهم «تسلّم رواتب من خارج الموازنة والخزينة العامة للسلطة».
أما على صعيد الإعمار، فأوضح الحمدالله أن مؤتمر المانحين لإعادة إعمار غزة سيعقد «في الأسبوع الثاني من شهر تشرين الأول المقبل في مصر». كما ذكر أنه في مؤتمر آخر للمانحين (AHLC)، المزمع عقده في نيويورك خلال الأسابيع المقبلة، ستكون إعادة الإعمار في غزة ودعم القطاعات في الضفة والقدس على رأس أولوياته. لكن نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، محمد مصطفى قال إن الموعد المرجح لمؤتمر القاهرة هو الثاني عشر من الشهر نفسه. وأشار مصطفى إلى أن دعوات المؤتمر ستوجهها مصر والنرويج والسلطة، لافتاً إلى أن أكثر من 60 ممثلاً لدول مانحة سيحضرون المؤتمر.
وفي محاولة للالتفاف على الشروط السياسية المتعلقة بالإعمار، أُعلن في غزة، أول من أمس، تأسيس لجنة شعبية لإعادة الإعمار تضم نقابات مهنية ومراكز حقوقية وهيئات اقتصادية خاصة، وممثلين عن المتضررين بفعل الحرب. وصرح نائب نقيب المحامين الفلسطينيين، سلامة بسيسو، بأن «تأسيس اللجنة الشعبية يهدف إلى الدفاع عن حقوق المتضررين بما يحقق العدالة وأقصى فائدة ممكنة بعيداً عن الحزبية والتسييس».
وفي ما يخص مفاوضات وقف النار بين المقاومة والاحتلال، قال عضو الوفد المفاوض عن الجبهة الديموقراطية، قيس عبد الكريم إن هناك اتصالات لتحديد موعد استئناف المفاوضات غير المباشرة «وسط توقعات بأن تبدأ بين 20 و25 أيلول الجاري». وأضاف عبد الكريم، إن الموعد الذي سيحدد له علاقة باستعداد الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، والتحضيرات اللازمة لذلك، وأوضح أن «المفاوضات ستبدأ ببحث موضوع إدخال مستلزمات الإعمار لأن إسرائيل لم تنفذ ما تم الاتفاق عليه حتى اللحظة، وفي ذلك خرق للتفاهمات ويترتب عليه نتائج وخيمة».
في المقابل، أبدى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يتسحاق أهارونوفيتش، قلة تفاؤله إزاء فرص نجاح المفاوضات المرتقبة في القاهرة، ونقلت الإذاعة العبرية العامة عن أهارونوفيتش، وهو عضو في المجلس الوزاري المصغر، تساؤله عن إمكانية استمرار المفاوضات، مؤكداً أن إسرائيل «ترفض التسليم بأي خرق للتهدئة مهما كان صغيراً وتصمم على الرد القوي عليه».
على صعيد منفصل، استشهد الفتى، محمد سنقرط، أمس متأثراً بجروح أصيب بها بعد إطلاق شرطة الاحتلال النار عليه في حي واد الجوز في القدس المحتلة يوم الحادي والثلاثين من آب الماضي. ودارت مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وشرطة الاحتلال بعد استشهاد الشاب في حادثة قد تثير غضب المقدسيين، وخاصة بعد حملة المواجهات الكبيرة التي رافقت قتل وحرق الفتى محمد أبو خضير على أيدي مستوطنين في المدينة المحتلة قبل أشهر. لكن عائلة سنقرط رفضت تشريح جثمان ابنها، قائلة إنها تعرف سبب استشهاده وخاصة أن الشرطة أطلقت النار على رأسه في منطقة لا توجد فيها مواجهات، فيما تقول شرطة الاحتلال إنها أطلقت الرصاص على قدمه.
وبعد الضجة الأخيرة التي أثيرت بشأن مصادرة أراضي الفلسطينيين (4000 دونم) لمصلحة المستوطنات الإسرائيلية، سلم الاحتلال سكان قرى جنوب الضفة قراراً يقضي بمصادرة ألفي دونم لاستخدامها «لأغراض عسكرية»، وهو قرار يعود إلى عام 1997 ويقضي بالاستيلاء على 2000 دونم مزروعة بأشجار الزيتون وفيها بعض المنازل، وهي في واد بن زيد جنوب الخليل. ورداً على ذلك، اعتبرت رئاسة السلطة أن «القرار الجديد يدمر كل شيء، ولا بد من التوجه إلى مجلس الأمن لحماية الأراضي الفلسطينية».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)