صنعاء | في ما يبدو أنه سباق محموم لاستمالة الشارع اليمني وكسب ودّه، تخوض الحكومة اليمنية المكوّنة من ائتلاف أحزاب «اللقاء المشترك» وحزب «المؤتمر الشعبي العام» غمار لعبة سياسية جديدة، من ضمن سباقها مع حركة «أنصار الله». أقرّت الحكومة اليمنية في اجتماعها الاستثنائي برئاسة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أمس، جملةً من القرارات ضمن مبادرة رئاسية لحل الأزمة مع الحوثيين منذ أكثر من أسبوعين. وقرّر هادي المضي بالمبادرة من دون موافقة حركة «أنصار الله» التي واصلت احتجاجاتها في العاصمة. وشهد يوم أمس التصعيد الأشد ضمن «العصيان المدني» الذي أعلنه زعيم الحركة عبد الملك الحوثي.
ومن ضمن القرارات، خفض أسعار الوقود على النحو الآتي: سعر الغالون الواحد من مادة البنزين 3500 ريال، والديزل 3400 ريال في الأسواق المحلية ابتداءً من منتصف ليل اليوم، وذلك بعد خفض 500 ريال عن السعر الذي أقرّته الحكومة قبل أكثر من شهر تطبيقاً لقرار رفع سعر المشتقات النفطية بسبب العجز الكبير في ميزانية المدفوعات العامة. كذلك وافقت الحكومة على تأجيل تحصيل الضريبة العامة على المبيعات والرسوم الجمركية ورسوم صندوق صيانة الطرق والجسور والمضافة على أسعار مادتي الديزل والبنزين، باعتبارها من الكلفات الإضافية محلّ المراجعة.
وأعربت الحكومة عن «تفهّمها الكامل لمعاناة المواطنين وحرصها على اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بالتخفيف من الآثار الجانبية لتصحيح أسعار المشتقات النفطية، خصوصاً على المزارعين والصيادين، وفقاً للتوجيهات الرئاسية وقرارات الحكومة بهذا الشأن».

خفض أسعار
المشتقات النفطية مساومة وضحكٌ
على الذقون


وفي موازاة تلك الخطوات الحكومية، استمرّ الحوثيون في عملياتهم التصعيدية الرافضة للمبادرة التي تقضي بتحقيق مطالب الحوثيين المتعلقة بإسقاط الحكومة وتخفيض الجرعة مقابل رفعهم للمخيمات والنقاط في العاصمة ومداخلها وتسليمهم محافظة عمران ووقف مواجهاتهم مع الجيش في محافظة الجوف.
وأكد الرئيس اليمني أمام أعضاء الحكومة «أن الدولة والحكومة ستعمل بكل حزم تجاه استمرار ميليشيات الحوثي بالتصعيد في العاصمة صنعاء ومحيطها»، مضيفاً «سنعمل من أجل استتباب الأمن والاستقرار في ربوع الوطن، والحفاظ على السكينة العامة للمجتمع مهما كان الأمر، ولن نتهاون في ما يتعلق بأمن العاصمة صنعاء»، بحسب وكالة الأنباء الرسمية.
من جهته، رأى القيادي في «أنصار الله»، ضيف الله الشامي، أن «المفاوضات والمبادرات السياسية هي عبارة عن محاولة التفاف على ثورة الشعب»، مضيفاً أن «الأهداف محددة وواضحة وتم الإعلان عنها، ولا يمكن التراجع عن المطالب المشروعة».
ووصف الشامي، في حديثه إلى «الأخبار»، مبادرة خفض أسعار المشتقات النفطية بأنها «ضحكٌ على الذقون، وكأن القضية مساومة»، معتبراً أن القضية هي «نهب اقتصاد اليمن». ولفت إلى أن قرار الجرعة السعرية «فُرض على اليمن من الخارج وليس بقرار من الداخل». وأكد عدم مشاركة الحركة في أي حكومة مقبلة، مضيفاً أن «الحركة تطالب بالشراكة الوطنية وليس المشاركة في الحكومة».
وقام المتظاهرون، أمس، بقطع شوارع رئيسة في وسط صنعاء لمدّة أربع ساعات، فيما جابت مسيرات شلّت حركة السير في شوارع العاصمة: العدل، الزبيري، الزراعة، القيادة، تونس، التحرير، السائلة، وجميع الطرق المؤدية إلى رئاسة الوزراء، بهدف الضغط على السلطة للاستجابة الكاملة لمطالب الشعب، ورفضاً لأي محاولة من شأنها «أن تلتفّ على هذه المطالب المحقة والعادلة»، بحسب بيان اللجنة المنظمة للمسيرات. اللجنة أعلنت أيضاً تصعيد «العصيان المدني»، متوعّدةً في الوقت نفسه الحكومة بمزيد من الخطوات التي ستكون «مزعجة وأكثر إيلاماً»، في حال لم تستجب الحكومة على وجه السرعة لمطالب الشعب من دون تسويف وتقديم مبادرات لا تقدّم ولا تؤخّر ولا تخدم «إلا الشلة الفاسدة المستأثرة بالسلطة والثروة».
وأشارت الحركة إلى أن قطع الشوارع هو جزء من عملية «العصيان المدني»، وشلّ حركة السير في العاصمة التي أعلنت عنها في وقتٍ سابق ضمن سياقها التصعيدي. ومن المقرر أن يتخذ هذا السياق، في الأسبوع المقبل، أشكالاً أخرى وصفها عبد الملك الحوثي في خطابه يوم الأحد الفائت بأنها ستكون «مؤلمة ومزعجة للحكومة».
ويبدو أن الرئيس هادي وحلفاءه عازمون على المضي قدماً في فتح جبهات توتر جديدة مع الحوثيين بعيداً عن العاصمة، في سعي إلى كسب ورقة تفاوض جديدة لتخفيف الضغط الذي يقوم به الحوثيون على الرئيس هادي في صنعاء. ولعلّ محافظة الجوف التي يخوض فيها الحوثيون قتالاً عنيفاً منذ أكثر من ستة أشهر مع عناصر قبلية مسلحة تابعة لحزب «التجمع اليمني للإصلاح»، تُعدّ الورقة المضادة بشكلٍ واضح لورقة هادي، على الرغم من كونها تعتبر خطوة قد تشعل فتيل المواجهات في مناطق أخرى، بحسب مراقبين يمنيين.
وشهدت مناطق مختلفة من مديرية الغيل في محافظة الجوف اشتباكات عنيفة بين الطرفين، إثر محاولة الحوثيين استعادة المنطقة التي انسحبوا منها قبل نحو أسبوعين وسيطرة مسلّحي الإصلاح والجيش على مواقع كان الحوثيون يتمركزون فيها. وذكرت مصادر محلية هناك أن اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة دارت بين الطرفين في مديرية الغيل منذ ساعات الصباح الأولى، من دون أن تذكر تلك المصادر ضحايا أدت إليها المواجهات.
وأشارت إلى أن الجيش قصف صباح أمس مخزن أسلحة تابعاً للحوثيين في منطقة العرضي في الغيل، ما أدى إلى اشتعال النيران فيه.
وقالت المصادر إن اشتباكات عنيفة تدور منذ أكثر من ثلاثة أيام بين الحوثيين ومقاتلي القبائل على بعد كيلومترات من الجهة الشرقية لمفرق الجوف ــ مأرب الذي يعدّ أحد الطرق المستخدمة لنقل الإمدادات النفطية القادمة من محافظة مأرب شمالي شرقي اليمن باتجاه صنعاء.
وفيما يقول أبناء القبائل الموالية لحزب «الإصلاح» في الجوف إن «جماعة الحوثيين المسلحة تقوم بالاعتداء على مناطقهم ومحاولة فرض سيطرتها على المحافظة»، تنفي جماعة الحوثيين تلك المزاعم وتقول إنها تقاتل عناصر تنظيم «القاعدة» الذين زجّ «الإصلاح» وأطراف نافذة في صنعاء بهم إلى محافظة الجوف لقتال الحوثيين، وإن بينهم أكثر من 600 مقاتل أجنبي على الأقل من السعودية ودولٍ أخرى، تم تسهيل انتقالهم من سوريا إلى اليمن لقتال الحوثيين .