دمشق | في كثير من الأحيان، يضطر مستخدمو الانترنت السوريون إلى المحاولة طويلاً للوصول إلى محتوى يبحثون عنه على الشبكة. المشكلة الأولى هنا تكمن في تخلّف البنية التحتية عن أداء احتياجات المستهلكين، حيث تتزايد أعداد مستخدمي الشبكة العنكبوتية في حين لم تجرِ عمليات تطوير حقيقية لاستيعاب الاستهلاك المطلوب. يؤكد غيث، مهندس تقني، أنّ «السبب في بطء الإنترنت هو أن بنيتنا التحتية تغطي أكثر من عشرين ضعف طاقتها الحقيقية، ما يجعل المستخدم أسير البطء القاتل في الشبكة».
لا يأخذ تحليل غيث كثيراً من وقت لبنى، وهي الطالبة في كلية العمارة: «لا تهمني الأسباب التقنية. ما أعلمه هو أن الدولة تتعامل مع الإنترنت كأنه من الكماليات، بينما في الواقع هو أحد أساسيات حياة الإنسان». يرتفع صوت الشابة، بعتب: «هل من المعقول أن أبقى ثلاثة أيام لأنجز فرضاً جامعياً بسبب بطء الانترنت وانقطاعه؟ مع العلم بأنه لا يحتاج نظرياً إلى أكثر من يوم واحد».

السبب في البطء هو أن البنية التحتية تغطي أكثر من عشرين ضعف طاقتها


بعد عام 2005، وفي إطار التوجه الحكومي لتبنّي «اقتصاد السوق»، سمحت الدولة السورية بدخول الشركات الخاصة للاستثمار في مجال الاتصالات والإنترنت. ورغم أن الشركات فرضت مبالغ عالية على المستخدمين، لم تتغير سرعة الإنترنت. هنا لم تنفع الخصخصة في حل «أزمة القطاع العام» المفترضة. في هذا الصدد، يرى الاختصاصي في مجال الهندسة المعلوماتية، سعيد غانم، أنّ المشكلة تعود إلى انتهاج السلطات مبدأ الرقابة: «حيث تعمد إلى ما يسمى مركز البنية التحتية للاتصالات، وهذا يعني أن تمر جميع مزودات الانترنت في سوريا ببوابتين حكوميتين، لتسهيل الرقابة على البيانات المنتقلة من سوريا وإلىها». ويشدد غانم لـ«الأخبار» على أنّ «الحل ليس بالخصخصة ولا بإلغاء الرقابة، الحل الوحيد هو بتوسيع وتطوير البنى التحتية القادرة على تحمل هذه المركزة للبيانات، بما يجعل السلطات قادرة على المراقبة، من دون أن يصاب التصفح بالبطء».
بقيت مواقع مثل فايسبوك ويوتيوب وسكايب وتويتر تحت الحظر في سوريا، حتى بداية عام 2011، ما يعكس حالة التشدد في الرقابة على المحتوى. وترى الطالبة في كلية علم النفس، سلمى، أنّ «المشكلة الكارثية هي التعامل بالمنطق الأبوي لدى الأجهزة الأمنية، أي إنها هي من يقرر عنك المحتوى الجيد من المحتوى السيّئ. هذا ما يعلّب الإنسان ويسطّح وعيه». وتتنوع قائمة المحظورات من المواقع الإلكترونية بين ما هو مفهوم وغير مفهوم، حيث إن سعي السلطات إلى حظر المواقع الصهيونية و«الجهادية» مفهوم بالنسبة إلى سعد، الطالب في جامعة دمشق، «لكن من غير المفهوم لماذا يتم حجب مواقع كويكيبيديا. إن كان بالفعل محتواها معادياً لثقافة الإنسان السوري، فأين قاعدة اعرف عدوك؟».
في عام 2009، سمحت الدولة لشركتي الاتصال الخاصتين «سيرياتيل» و«إم تي إن» بإطلاق خدمة الجيل الثالث في سوريا، حيث تتجاوز السرعات في هذه الخدمة سرعة الخط الهاتفي الثابت الواسع النطاق، إضافة إلى أن حظوظ انقطاع الإنترنت أقل في هذه الخدمة، غير أن الشركتين لجأتا إلى تسعير الخدمة بأسعار باهظة، ليصل سعر «الميغابايت» الواحدة إلى 4 ليرات سورية، أي إن المستهلك عليه أن يدفع لقاء وسطي الاستهلاك (وهو 4 غيغابايت)، ما ثمنه 16000 ليرة سورية، وهو ما يزيد على متوسط الأجور في سوريا! هذا ما يعتبره همام، طالب الاقتصاد، «اصطفاءً لطبقة معينة يمكنها استخدام الإنترنت بالحد الأدنى من المشاكل». ومن زاوية أخرى، يؤكد همام أنّ «اعتقادي الشخصي أنهم يحاولون ضرب كل خدمات القطاع العام، ليأتي يوم يتقبّل الناس فيه مزيداً من الخصخصة ومزيداً من ضرب الاقتصاد الوطني».

فوضى البرمجيات... والفيروس

هروباً من الحظر الحكومي على بعض المواقع الإلكترونية، يلجأ العديد من المستخدمين إلى برامج «كاسر البروكسي» إضافة إلى بعض المتصفحات التي تؤمن فك الحظر. وتشكِّل تلك الأخيرة خطراً أمنياً على التصفح، «مع تنوع مصادر تلك المتصفحات المجهولة، يصبح خطر التعرض لبعض البرمجيات الخبيثة أكبر، بما فيه إمكان التجسس على مدخلات المستخدمين»، يؤكد المهندس محمد أبو راس. ويضيف: «بما أن السلطات تعلم أن الجميع يستخدم تلك المتصفحات والبرامج، فالأفضل لها فكّ الحظر عن كافة المواقع، بما يؤمّن لها رقابة أفضل، من دون تعريض سرعة الاتصال للبطء والمستخدمين للبرمجيات الخبيثة».