غزة | «الجنين عايش»، صرخة المسعف محمد غيث جعلت الطواقم الطبية في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح تسابق الوقت قبل انقطاع الأوكسجين، فقرر الأطباء شق رحم شهيدة كانت حاملا في شهرها التاسع، وذلك في محاولة منهم لاستخراج الجنين. حدثت القصة مع وصول جثمان الشهيدة نبيلة عيد اللوح (25 عاماً) من منطقة حكر الجامع في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، مع ثمانية شهداء آخرين من عائلتها. سارع الأطباء لإجراء الفحوص اللازمة للجنين، الذي تبين أنه على قيد الحياة، فأدخلت غرفة لاستخراجه منها قبل فوات الأوان.
هذه لم تكن القصة الأولى، فخلال أيام الحرب كانت غرف العمليات في جميع مستشفيات القطاع مليئة بأطباء الجراحة والتوليد الذين عملوا بجهد لاستخراج الأجنة الأحياء من الشهيدات الحوامل، وفي بعض الأحيان من الجريحات اللواتي كانت إصاباتهن خطيرة، لكن لم يكتب لكثير من هذه الأجنة الاستمرار في الحياة، مثل حالة اللوح الذي استشهد قبل نقله إلى قسم الحضانة، فقد كانت الإصابة التي تعرضت لها الأم من جراء سقوط المنزل على رأسها بالغة الخطورة.

استشهدت أكثر
من 50 امرأة حاملا خلال الحرب وأجهضت 700

سبقت هذه الحالة وفاة جنين آخر في مستشفى ناصر الطبي في خان يونس (جنوب)، بعد وصول جثة فاطمة أبو جامع (26 عاما) وهي حامل في شهرها التاسع، وحين دخلت غرفة العمليات أجريت لها عملية قيصرية لإخراج الجنين، لأن الفحص أظهر أنه على قيد الحياة، ثم اتضحت إصابته بعدة شظايا صغيرة «مكعبات» أدت إلى استشهاده أثناء محاولة استخراجه من بطن أمه.
برغم ذلك، هناك من كتبت له الحياة كالطفل محمد مطر، الذي ولد في اللحظة نفسها التي استشهدت فيها والدته، بعدما قطعت الصواريخ أوصالها. لم يكن أمام الأطباء بعد وصول الجريحة إلى مستشفى الشفاء في غزة سوى الإسراع إلى إنقاذ جنينها الذي يرقد في رحمها بإجراء عملية قيصرية لها فارقت خلالها الحياة بعد خروج محمد.
ويصف رئيس قسم الولادة والنساء في «الشفاء»، الطبيب حسن اللوح، صعوبة الحالة التي وصلت إليها والدة الرضيع محمد، ويقول لـ«الأخبار»: «هذه الأم لو تأخرت قليلاً لمات ابنها في بطنها، لأنها وصلتنا وهي مقطعة الأطراف وشظايا الصواريخ طاولت بطنها ومثلت خطراً على حياة الجنين». ولم يتوقع الطبيب إنقاذ حياة محمد، لأن الأم كانت تُحتضر والشظايا تملأ بطنها، «لكن الجنين عاش وفارقت الأم الحياة مباشرة».
في منزل غير بعيد عن بيت مطر، لا تعلم بعد والدة الطفل إياد الرضيع الذي ولد قبل موعد ميلاده أنها أنجبته، فهي بعد إصابتها بشظايا صاروخين قطعت قدميها وأصابت رأسها وظهرها مباشرة، استطاع الأطباء توليدها، فيما لا تزال في حالة غيبوبة منذ ولادته حتى كتابة النص. أيضا لم يكن إنقاذ الجنين في بطنها سهلا كقرينه محمد لأن موعد ولادته لم يكن قد حان، فرقدت أمه في العناية المركزة لساعات طويلة، وأجريت لها أكثر من عملية جراحية حتى استطاع الأطباء إجراء عملية قيصرية خطيرة، لأنهم أيقنوا أن بقاء الجنين في بطنها وهي في هذه الحالة سيجعله عرضة للهلاك. كذلك أشرف الطبيب اللوح على إجراء هذه العملية، وذكر أنه جرى تحويل الأم لاحقا إلى الأراضي المصرية، «ولم تعلم أنها رزقت مولودا بسبب غيابها عن الوعي».
بدوره، يقول الطبيب العام في جمعية الإغاثة الطبية، وائل أبو عون، إنه من البديهي حين نقل أي مصاب أو شهيد من كلا الجنسين من موقع الحدث إلى المستشفى أن يفحص طاقم الإسعاف معلومات روتينية للتأكد من مكان الإصابة وحجمها. وأوضح أبو عون أنه في حال اكتشاف أن المصابة أو الشهيدة حامل، تجري مضاعفة الجهود لإبقاء حياتها وحياة جنينها إن كانت مصابة، «وحياة الجنين فقط إن كانت أمه شهيدة، وخاصة إذا تبين أن عمره يزيد على ستة أشهر».
كذلك، أفاد الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، «الأخبار»، بأن وزارته رصدت 700 حالة إجهاض «وهي تمثل 25% من حالات الحمل»، كما استشهدت أكثر من 50 امرأة وهن في حالة ولادة خلال العدوان. وأشار القدرة إلى أن أسباب الإجهاض كانت الخوف الذي ينتاب النساء الحوامل من شدة القصف «وأثناء الهرب من مناطق الخطر، كما أثرت قلة التغذية في مراكز الإيواء عليهن».