غزة | مع بزوغ فجر اليوم الأول لانتهاء الحرب، تلقى الفلسطينيون صدمة كبرى بمعاينتهم واقع الدمار الكبير في مدنهم ومخيماتهم، وإن كانوا خلال الهدن التي عقدت في الحرب قد زاروا مناطقهم وبيوتهم التي دمرت، لكن كثيرين منهم لم يستطيعوا الاطلاع على المشهد كله لخوفهم من التحرك آنذاك، أو لتحذير القوى الأمنية من مخاطر مخلفات الصواريخ التي لم تنفجر.
وفي الخطوة الأولى لنفض الغبار عن الملفات المصيرية التي تناولها اتفاق وقف الحرب، وغالبيتها تتعلق بتفاصيل حياتهم اليومية، يشعر الفلسطينيون بأن ما بعد الحرب قد يكون أصعب منها نفسها، وخاصة مواضيع إعادة الإعمار وقضايا المعابر.
وحديث الساعة الآن يتركز على الإعمار وإيواء المشردين، فضلًا على تأهيل البنية التحتية وإعادة بناء المرافق العامة والحكومية. وفوق ذلك، فإن التحدي الأبرز هو استقبال العام الدراسي الجديد على وقع عشرات المدارس المدمرة كليا أو جزئيا، وأخرى فيها عشرات آلاف النازحين.
ووفق إحصائية شبه نهائية، فإن المنازل المهدمة 16002، منها 2358 منزلا دمرت كليا، و13644 بصورة جزئية تحتاج إلى ترميم واضح، إضافة إلى آلاف المنازل التي لحقت بها أضرار بسيطة، فيما عدد المساجد المستهدaفة 169، دُمّر 61 منها كليا، وبجانب ذلك أربعة أبراج سكنية كبيرة، وهو عدد فاق خسائر الحربين الماضيتين.

الإمارات مستعدة لاستكمال
مشاريع الإعمار في قطاع غزة

ولعل من أكثر الأحياء التي دمرت «المنصورة» في الشجاعية، فقد هدمت فيه مئات المنازل، ويقول أهالي الحي لمراسل «الأخبار» إن معالمه كلها تغيرت، لدرجة أن أهله تعرفوا على بيوتهم بصعوبة.
في هذا السياق، يقول المهندس محمد درويش، وهو من نقابة المهندسين في غزة، إن بعض الأحياء صارت لا تصلح للسكن «لأنها بحاجة إلى مدة زمنية قد تستغرق عاما بدءا من إزالة الركام، ثم إعادة الإعمار إن جرى العمل بسرعة». ويوضح درويش لـ«الأخبار» أن إصلاح البنية التحتية «هو الآخر مسألة مكلفة، وبحاجة إلى وقت قد يتجاوز السنة».
على نحو متصل، قدرت الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بقطاع غزة بنحو 3 مليارات و460 مليون دولار، نتيجة استهداف 324 مصلحة تجارية وصناعية. وكل هذا الوضع، اضطر الأسر إلى البقاء في مناطق النزوح التي لجأوا إليها، علما بأن عددهم وصل إلى نصف مليون (462,090) غالبيتهم توزعوا على 90 ملجأً تابعة للأمم المتحدة، وهم بذلك يمثلون نحو 27% من سكان القطاع.
ووفق اتفاق التهدئة، فإنه شدد على ضرورة رفع الحصار وفتح جميع المعابر وضمان إدخال المواد الإغاثية والمواد اللازمة لإعادة الاعمار. وعند النقطة الأخيرة، أكد رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض والقيادي في حركة «فتح» عزام الأحمد أن الفصائل بحثت أدق التفاصيل في ما يتعلق بإعادة الاعمار، «واتفقت على أن تتولى حكومة التوافق مسؤولية تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه بشأن إدارة المعابر أولا والإشراف على تنفيذ حالة الإعمار».
وأشار الأحمد، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن الفلسطينيين توافقوا في القاهرة على أن تتولى السلطة مسؤولية كل ملفات اتفاق التهدئة، «ولا سيما أننا قبل الحرب أنهينا حالة الانقسام وألفنا حكومة وفاق».
ووفق قوله، فإنه من المقرر أن يعقد مؤتمر دولي للمانحين في مصر منتصف الشهر المقبل (أيلول) لبحث إعادة إعمار غزة، وهو ما يعني أن نتائج المؤتمر حتى إقرارها وبدء تنفيذها تحتاج إلى أشهر.
وأعلنت القاهرة نيتها استضافة المؤتمر الدولي، في الوقت الذي كانت فيه النرويج قد عرضت عقد مؤتمر مماثل للمانحين للغرض نفسه، وهنا أبدت دول عربية وإسلامية جاهزيتها للمساهمة في إعادة الإعمار ومنها تركيا وقطر وحتى الإمارات.
وبرغم الضجة التي أثيرت خلال الحرب عن «دور إماراتي مشبوه في غزة»، فإن «الأخبار» علمت من مصادر فلسطينية مطلعة أن أبو ظبي قررت استكمال مشروعاتها التي أوقفت العمل فيها داخل غزة، وأبدت في سبيل ذلك استعدادا لإكمال مشروع الأسرى في مدينة رفح (جنوب).
وقالت المصادر، التي تحفظت عن ذكر اسمها، إن مسؤولين إماراتيين أبلغوا نظراءهم الفلسطينيين أن بلادهم ستعيد استكمال تلك المشروعات، وهي مستعدة أيضا لبدء مشروعات أخرى «شريطة أن تكون خاضعة لرقابة وأداء حكومة التوافق»، كاشفة في الوقت نفسه وجود اتصالات مع تركيا والكويت والنرويج لتزويدها ببيوت متنقلة حتى حل الإشكالية.
وكانت الإمارات قد أوقفت مشاريع الإعمار التي تبنتها في غزة بفعل الخلافات التي طرأت بينها وبين «حماس» على الرؤية من الأحداث المصرية. ولفتت المصادر الفلسطينية إلى أن هيئة الأعمال التابعة للإمارات باشرت عملها في المرحلة الأولى المتمثلة بالإغاثة العاجلة، «وفي سبيل ذلك تسلم مسؤولون إماراتيون كشوفا بالخسائر التي رصدت حتى الآن».
وأعلنت حكومة الوفاق عبر وزرائها في غزة أنها باشرت رصد الخسائر، كما قالت إنها ستعمل على تعويض جزء من أصحاب المنازل مع خيم ومنازل مؤقتة حتى إنهاء معاناتهم قبل دخول فصل الشتاء.