على وقع الانتقادات القاسية التي تعرض لها رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، في الساحتين السياسية والإعلامية قبل انتهاء الحرب على غزة وبعدها، فإنه حاول احتواء بعض الهجمات والرد على أخرى. واصطف نتنياهو في مؤتمر مشترك إلى جانب شريكيه في قرار الحرب وإدارتها، وزير الجيش موشيه يعلون، ورئيس الأركان بني غانتس، ليعلن أن «إسرائيل حققت إنجازاً عسكرياً وسياسياً كبيراً»، وأن «حماس لم تحقق أي إنجاز ولم تحصل على أي من مطالبها».
مع ذلك، لم يجد نتنياهو لنفسه مفراً من الإقرار بحقيقة أنّ «من المبكر القول إذا كنا قد حققنا هدف الهدوء لمدة طويلة»، لكن الأهم أنه أقر بأن انسحاب قوات جيشه من القطاع كان تحت وقع ضربات المقاومين، بالإشارة إلى أنه «سحبنا قواتنا إلى الخلف من أجل منع حماس من قتل جنودنا».
في ما يتعلق بالعدد الكبير من الضحايا المدنيين الذين تعمد جيشه استهدافهم من أجل إخضاع المقاومين، حاول نتنياهو التخفيف من ذلك بالقول: «قتل 1000 من رجال المقاومة»، مع أن ذلك يعني أن البقية هم من المدنيين وهم يتجاوزون الألف والمئة، علماً بأن التقارير الدولية تتحدث عن أن غالبية الشهداء في غزة كانوا من المدنيين. وكذلك وصف الأبراج السكنية التي دمرها جيش العدو بأنها «أبراج الإرهاب». وبينما حاول تجاهل اضطرار إسرائيل إلى الموافقة على فتح المعابر وإدخال البضائع إلى غزة وتوسيع منطقة الصيد، ركز على رفض إسرائيل إقامة ميناء ومطار وتحرير أسرى.

قارن نتنياهو
فشله في إنهاء المقاومة بإخفاق أميركا مقابل «القاعدة»

وفي السياق، أشار نتنياهو إلى وجود تعاون و«أفق سياسي» في الشرق الأوسط، مكرراً بذلك الحديث عن وجود محور في المنطقة يضم دولاً عربية تصفها إسرائيل بأنها «معتدلة» (مصر والسعودية ودول الخليج باستثناء قطر).
أما عن الإخفاق في القضاء على المقاومة في غزة، فحاول تبرير ذلك بالقول: «تدمير تنظيم إرهابي ليس بالأمر السهل... الولايات المتحدة لم تستطع تدمير القاعدة».
من جانبه، أكد موشيه يعلون، أنه في حال «تجدد إطلاق الصواريخ فإننا سنضرب حماس بقوة أكبر». وحاول تجنب الوقوع في فخ المبالغة حتى لا يحاسب عليه لاحقاً بالقول: «لا نوهم أنفسنا، فقد نضطر إلى العمل مجدداً ضد حماس والمنظمات الفلسطينية». كذلك حاول إشباع غريزة الانتقام لدى الجمهور الإسرائيلي بالتلميح إلى أن «ترميم غزة سيحتاج إلى عشر سنوات». من جهة أخرى، كشفت استطلاعات رأي نشرت نتائجها وسائل إعلام إسرائيلية، أن 59% أعربوا عن اعتقادهم أن إسرائيل لم تنتصر في الحرب، فيما كشفت أن شعبية نتنياهو تراجعت كثيراً رغم أنها مرتفعة نسبياً. إذ عبّر 52% من الجمهور عن رضاهم عن أدائه خلال العدوان، علماً بأن هذه النسبة كانت 77% في الاستطلاع السابق، وفي المقابل أكد 40% أنهم غير راضون عن أدائه.
على الطرف الآخر (الأخبار)، ظهرت أمس بوادر حياة شبه طبيعية في غزة بعدما بدأت المحلات التجارية فتح أبوابها وخرج الصيادون بقواربهم إلى البحر، وبدأت بعض الآليات المحدودة إزالة آثار الركام، وخاصة من وسط مدينة غزة، وبينما ينتظر النازحون حلاً مؤقتاً ثم دائماً لإنهاء معاناة إيوائهم، عملت بعض الشركات على إصلاح خطوطها المعطوبة لإعادة تقديم خدماتها.
ويبدو أن ما يساعد الفلسطينيين على الصبر مقابل آثار حرب كبيرة، ثقتهم بالمقاومة التي تصدت بقوة وإبداع للعدوان، وهذا ما أظهروه بتماسكهم وخروجهم في مسيرات إما موحدة، وإما للفصائل، في شوارع غزة. عشرات الآلاف ومنهم من فقد منازله أو ذويه كانوا مشاركين في تلك المسيرات التي كلما قابلوا فيها مقاوماً احتضنوه وقبلوه على مرأى الكاميرات.
في مقابل ذلك، يفرح الفلسطينيون لسماعهم أن الأوساط السياسية الإسرائيلية تعيش حالة من العشوائية في التصريحات التي تحاول إظهار أن الاحتلال يسعى إلى تعويض إخفاقه الميداني بضمان ألا تحصل غزة على مقومات الحياة كاملة.
وبينما كان الجو الشعبي متفهماً للخسائر الكبيرة، وقرر النزول إلى الشارع للتعبير عن فرحته، خرج القيادي في حركة «حماس» ورئيس الوزراء السابق، إسماعيل هنية، ليطل لأول مرة من بداية الحرب على المحتشدين في ساحة المجلس التشريعي في غزة، مشيداً باحتضان السكان للمقاومة، وقائلاً إن ما حدث «أعاد الاعتبار» إلى القضية الفلسطينية. ورأى هنية أن القادة العسكريين الثلاثة الذين اغتالهم الجيش الإسرائيلي في رفح قبل انتهاء الحرب هم «رموز انتصار». بعد ذلك، عقدت الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة مؤتمراً صحافياً فوق ركام المنازل في حي الشجاعية شرق غزة. وترأس المؤتمر المتحدث باسم «القسام»، أبو عبيدة، الذي ظهر أمام المحتشدين، معلناً أن «غزة انتصرت لأنها أظهرت هشاشة المحتل».
في سياق آخر، أعلن مسؤول مصري أن أكثر من مئتي طن من المساعدات الطبية التي أرسلتها السعودية وسلطنة عمان وتركيا وصلت أمس إلى قطاع غزة عبر الجانب المصري من معبر رفح.
أما عن المعابر مع الأراضي المحتلة، فكشفت القناة الثانية الإسرائيلية النقاب عن نظام مراقبة معابر غزة الذي جرى التوصل إليه في اتفاق وقف النار بوساطة مصرية. وأوضحت القناة أن نظام المراقبة سيكون مؤلفاً من مندوبي ثلاثة أطراف، إذ يمثل الجانب الإسرائيلي منسق أعمال الحكومة يوآف مردخاي، ومندوب عن الأمم المتحدة وهو المبعوث الخاص روبرت سري، ورئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمدالله.
وبينت القناة أن الاتفاق الجديد يقضي بأن يكون الحمدالله عضواً في طاقم مراقبة البضائع الواردة إلى غزة، «وذلك لتسجيل كميات البضائع بصورة دقيقة، واعتبار أي زيادة للبضائع دلالة على حفر أنفاق جديدة، ما قد يوقف توريد الإسمنت إلى القطاع». والأهم أنها كشفت أن الاتفاق على تحويل أموال إلى غزة سيكون من طريق السلطة، لافتة إلى أنه لم يبلوَر بعد نظام لتنفيذ هذه التحويلات.
كذلك تحدثت مصادر إعلامية فلسطينية عن جهود لرام الله من أجل حل مشكلة كهرباء غزة عبر إرسال سفينتين من تركيا وفرنسا ترسوان قرب شواطئ القطاع لإنتاج الكهرباء، لكنها ذكرت أن الموافقة على المقترح مبدئية.




الإسرائيليون لا يزالون يعيشون الحرب!

برغم الإعلان عن وقف النار، فإن الحذر والرعب يسيطران على سكان جنوب فلسطين المحتلة، وصولا إلى تل أبيب، وذلك بعدما قررت قيادة الجبهة الداخلية إصدار تعليمات بإبقاء الملاجئ مفتوحة ضمن مدى 80 كلم من قطاع غزة. وأيضا، ضمن نطاق سبعة كيلومترات من القطاع تُمنع التجمعات لأكثر من 500 شخص. وأي نشاطات أخرى، صيفية أو دراسية، ستجري في المؤسسات التي يمكن انطلاقا منها الوصول إلى مناطق محصنة خلال المدة الزمنية المطلوبة. وفي حدود المدى الذي يراوح بين 7 كيلومترات إلى 40 كلم، تُمنع التجمعات لأكثر من 1000 شخص في مناطق مفتوحة. كل هذا يأتي مع تأكيد عدد من رؤساء البلديات والمجالس الإقليمية خيبة أملهم من الاتفاق الذي جرى التوصل إليه، مشددين على أنه «ليس من أجل هذا قضينا شهرين في الملاجئ».
(الأخبار)