ما من أحد ليدق ناقوس الخطر بجانب قضية فلسطين، وخاصة خلال الحرب التي تشتد على غزة، وما يصعّب المشهد هو التكتّم الذي تمارسه الدوائر السياسية الفلسطينية على مخرجات الاجتماعات خاصة في الدوحة والقاهرة، كما تتعمد قيادات كثيرة التهرب من الإجابة عن الأسئلة الحساسة، هذا إذا استطاع الصحافيون الوصول إلى هواتفهم.
أجزاء المشهد الحاضرة والمؤكدة أن هناك دعوة مصرية ـ أممية إلى طاولة المفاوضات في القاهرة بعنوان «التهدئة الطويلة»، وتأكيد من حركة «حماس» على إعطاء رئيس السلطة محمود عباس تفويضا بالذهاب إلى توقيع اتفاقية روما من أجل محاكمة قادة الاحتلال مع تحمل المسؤولية في ما يتعلق بأي استدعاء دولي لقيادات المقاومة. وفي السياق حديث عباس عن «مفاجأة» سيطرحها بعد أن يلاقي وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. وليس أخيرا إقرار رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، بأن أعضاء من الحركة نفذوا عملية الخليل التي قتل فيها ثلاثة مستوطنين «لكن دون علم القيادة».

الاستنزاف يعيد طرح العمل البري مجددا برغم الدعوة إلى استئناف المفاوضات


أما «مفاجأة عباس»، فيمكن التقاط خيوطها من الحديث عن موافقة حمساوية على نيته طلب دولة على حدود عام 1967 مع ما يلزم هذه الدولة من اشتراطات «لم تكشف»، وإن كان واضحا منها نزع سلاح المقاومة ووقف الحرب، وإلا فإن عباس سيسلم مفاتيح السلطة، بعدما أعلن أن خياره البديل «عقد اجتماع للقيادة وطرح حل السلطة».
من استطعنا الوصول إليهم من «حماس» أقرّوا بأن عباس عرض هذا الاقتراح، لكن الحركة أبلغته أن وثيقة الوفاق الوطني التي جرى توقيعها عام 2006 بين جميع الفصائل «هي الحسم في أي اجتهاد سياسي». ويؤكد المتحدث باسم الحركة والنائب عن كتلتها البرلمانية، مشير المصري، لـ«الأخبار»، أن أي اتفاق يمكن التوصل إليه يجب أن يخضع لاستفتاء شعبي مع العودة إلى مجلس وطني جديد منتخب، «بمعنى أن القضية غير قابلة للمزيد من الاجتهادات الخارجية والمغامرات غير المحسوبة، أو الاستفراد بها من أي جهة كانت».
وأضاف المصري: «حماس أصرّت على أن تكون هذه الورقة (وثيقة الوفاق) هي الحسم في الرؤية والاجتهاد السياسي لهذه المسألة». وبشأن توقيع «حماس» ورقة الذهاب إلى «روما»، ذكر أن «أبو مازن بأنه أصر على أن توقع الفصائل هذه الورقة، والحركة وافقت على ذلك حتى لا يكون هناك أي مبرر أو ذريعة للتهرب من التوجه إلى الميثاق الدولي»، وهو ما كشف عنه عضو المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، عبر صفحته الرسمية في «الفايسبوك».
في السياق، يرى النائب في المجلس التشريعي أن التأخير في التوجه إلى الأمم المتحدة لم يكن مبررًا، «لكن استئذان رئيس السلطة من الفصائل بهذا الشأن سابقة لم تمر من قبل»، مشيرا إلى أنها اختبار للسلطة. في الوقت نفسه، شدد على أن المقاومة ليس لديها تخوف من ملاحقتها في المحاكم الدولية، «لأنها مقاومة مشروعة وتمارس حقها المكفول طبقا للقوانين الدولية»، فيما لم يصدر حتى كتابة النص أي موقف رسمي من «الجهاد الإسلامي» بشأن هذه الخطوة.
على صعيد إيقاف الحرب، أكد عباس بعد اجتماع مع نظيره عبد الفتاح السيسي أول من أمس أن القاهرة ستوجه الدعوة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين لاستئناف المفاوضات حول «تهدئة طويلة»، مؤكدا أنه «فور أن يوقف إطلاق النار يجب أن يبدأ الدعم الانساني لغزة وإعادة الإعمار في القطاع، ثم تجلس الأطراف وتتحدث في المطالب التي يضعونها على الطاولة».
وردا على سؤال بشأن موافقة «حماس» على استئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية القاهرة، أجاب رئيس السلطة بأن «الحديث مع الحركة كان على أساس أن المبادرة المصرية هي الوحيدة في الميدان، وهم (حماس) مقتنعون ولم يمانعوا».
وجاءت تصريحات عباس في مؤتمر مشترك مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وهي سابقة أثارت الرأي العام الفلسطيني لظهور مستويين مختلفين سياسيا على خلاف البروتوكول. وعن موضوع معبر رفح كشف رئيس السلطة أنه طلب من السيسي استيعاب عدد من كوادر حرس الرئاسة لتدريبهم حتى يتمكنوا خلال شهرين من تسلّم المعبر والحدود مع مصر، ومؤكدا في الوقت نفسه موافقة الرئيس المصري على ذلك.
وقال السيسي، في لقاء مع رؤساء التحرير لصحف مصرية، إن الهدف من خطوة التهدئة «الانطلاق إلى حل نهائي، وأبلغنا ذلك للأميركيين والأوروبيين»، مضيفا: «لا أريد أن أقول كلاما يضر مساعي التهدئة، لكن الثمن الذي يمكن أن تأخذه قد يضيع عليك»، في إشارة إلى مطالب الوفد الفلسطيني.
في السياق، حث الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على العودة إلى مفاوضات القاهرة. وأبلغ بان، نتنياهو، في مكالمة، ضرورة «اتخاذ خطوات لتسهيل مفاوضات القاهرة».
في المقابل، قال المتحدث الرسمي باسم الحركة، سامي أبو زهري، إن «حماس ستدرس أي مقترح يُقدم إليها ويضمن تحقيق المطالب الفلسطينية»، لكنه لم يشر صراحة إلى «المبادرة» التي يقصدها، علما بأنه جاء بعد دعوة من مصر لاستئناف المفاوضات غير المباشرة.
وميدانيا، لا تزال المقاومة تواصل تكثيف قصفها المدن المحتلة خاصة مستوطنات «غلاف غزة»، ما أوقع أمس عددا من الإصابات المباشرة في صفوف الجنود والمستوطنين، كما سجلت أرقاما تخطت المئة لليوم الخامس بعد انهيار التهدئة.
ومع تركيز المقاومة قصفها على مدن الجنوب في فلسطين المحتلة، فإنها لم تُخرج القدس المحتلة وتل أبيب وديمونة من دائرة النار، لكن العدو رد بقساوة مستهدفا برجين سكنيين كبيرين في غزة ورفح متسببا في تشريد المئات من العائلات. وكانت حصيلة اليوم التاسع والأربعين للحرب حتى ما قبل منتصف الليل قد بلغت 16 شهيدا و52 جريحا، ما يرفع عدد الشهداء الإجمالي إلى 2120 والجرحى إلى 10854. وأعلن جيش الاحتلال اغتيال القيادي الحمساوي محمد الغول وسط مدينة غزة، واصفاً اياه بأنه مسؤول التمويل في الحركة.
في الجانب الإسرائيلي، فإن سيناريو حرب الاستنزاف التي كان يتخوف منها نتنياهو بات أمراً واقعاً. وهو يفرض نفسه على الجمهور الإسرائيلي وقيادته، وخصوصاً أن الانتصار في مثل هذه المعارك يرتكز أساسا على الصمود والنفس الطويل، فضلاً عن مواصلة الضغط العسكري، كل طرف وفق قدراته.
وما يزيد الموقف صعوبة على قادة الاحتلال قرار سكان بعض المستوطنات القريبة من القطاع إخلاءها تماما إلى جانب الضغوط السياسية من اليمين الإسرائيلي، الذي يواصل ابتزاز نتنياهو في محاولة منه لدفعه نحو خيارات عسكرية دراماتيكية، وحتى وزير المالية، يئير لبيد، قال للقناة الإسرائيلية العاشرة، أمس، إن احتمال دخول بري جديد إلى غزة خيار مطروح على الطاولة.
وفيما أكد نتنياهو أن الحرب ستستمر لمدة طويلة، أعاد استخدام سياسته الدعائية لتقديم المعركة كأنها امتداد للموقف الدولي من تنظيم «داعش»، مكررا التشبيه بين «حماس» و«داعش»، خلال حديثه مع بان كي مون، وهو ما رد عليه خالد مشعل بالقول إن «هذه المعادلة لتضليل الجمهور الأميركي». وأضاف: «حماس ليست تنظيما دينيا أو عنيفا، و(داعش) ظاهرة مختلفة تماما، فحماس تقاتل الغزاة على أراضينا».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)