صنعاء | عادت اللجنة الرئاسية أمس من صعدة، شمال اليمن، بعد ثلاثة أيام من المفاوضات مع زعيم جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، من دون أن تصل معه إلى اتفاق تهدئة ينزع فتيل التوتر الذي يسود البلاد منذ الاثنين الماضي. عادت اللجنة، وأعرب رئيسها وأعضاؤها «عن خيبة أملهم إزاء ما جرى من نقاش وتداول مع الحوثي»، حيث رفض زعيم الجماعة كل الحلول التي طرحتها، ومنها عرض الحكومة تقديم استقالتها في غضون شهر. وبعد وصولها إلى صنعاء، قدّمت اللجنة تقريرها العاجل إلى الرئيس اليمني، في وقتٍ قال فيه المتحدث باسم اللجنة عبد الملك المخلافي إن عودتها جاءت «بعدما رفض أنصار الله كل الحلول والمقترحات التي قدمت في كل القضايا».
هادي يدعو إلى اليقظة والحذر

بالتزامن مع عودة اللجنة الرئاسية من صعدة، دعا هادي أمس خلال اجتماعه باللجنة الأمنية إلى «اليقظة العالية والحذر ورفع الجاهزية والاستعداد لمواجهة أي احتمالات»، مؤكداً أن الدولة «حريصة على تثبيت السكينة العامة والحرص على الأرواح والدماء الزكية». وكان الرئيس اليمني قد دعا خلال الاجتماعين السابقين الجيش إلى رفع الجاهزية لمواجهة أي تحديات أمنية.
دعوةُ هادي إلى اليقظة والحذر تأتي قبل اجتماع موسع ينعقد اليوم في صنعاء، يضمّ أعضاء الحكومة والبرلمان وقادة الأحزاب وأبرز المكونات السياسية والاجتماعية والمدنية، وسيعرض خلال الاجتماع الموسع التقرير النهائي للجنة الرئاسية التي التقت زعيم الحوثيين، كما ستتم دراسة الخيارات المقبلة في ظلّ التطورات الحالية، وخصوصاً بعد نصب الحوثيين مخيمات جديدة قرب ثلاث وزارات هي الداخلية والكهرباء والاتصالات.
ولعل أبرز ما جاء في كلمة هادي أمس، أمام اللجنة العسكرية والأمنية العليا هو التلميح إلى أن «هناك أجندات خفية ومشبوهة» في ما تقوم به جماعة الحوثي، مضيفاً إن اللافتات والشعارات التي ترفعها جماعة الحوثي «ليست سوى دغدغة لمشاعر وعواطف الشعب ومسكنات كاذبة تخفي وراءها مرامي وأهدافاً أخرى».

نقاط الاختلاف بين الحكومة والحوثيين

عودة اللجنة الرئاسية من صعدة أثارت تساؤلات عدة حول أبرز نقاط الخلاف بين اللجنة وقيادة «أنصار الله». ففيما يقول أعضاء اللجنة إن الحوثيين رفضوا كل الحلول التي قُدمت لهم، قال المتحدث باسم الحركة محمد عبد السلام إن اللجنة «لم تكن مخوّلة للنقاش في القضايا التي طالب بها الشعب اليمني، مضيفاً إنها «تحمل رسالة أن نستجيب لموقفهم من دون إيجاد حلول واضحة»، الأمر الذي أكده أيضاً عضو المجلس السياسي لـ«أنصار الله» محمد البخيتي، حيث اتهم اللجنة بأنها «جاءت للمساومة».

«أنصار الله»: ليس هدفنا المحاصصة في الحكومة، بل حكومة كفاءات

وأضاف البخيتي في حديثه إلى «الأخبار» إن اللجنة «اكتفت بعرض قدمته للجماعة بأن يحددوا عدد الوزارات التي يريدونها»، لافتاً إلى أن «هذه لغة لا نفهمها، لأننا لم نخرج إلى الشارع إلا من أجل تحقيق مطالب الشعب ومصلحته ولم نخرج لتحقيق أي مكاسب أخرى».
وأشار البخيتي إلى أنه «ليس من أهداف الجماعة المحاصصة في الحكومة، وإنما تشكيل حكومة كفاءات»، مؤكداً على ضرورة «أن يكونوا شركاء في قرار تشكيلها، سواء كانوا موجودين فيها أو لم يكونوا»، و«أن يكون لهذه الحكومة برنامج عمل لمكافحة الفساد، وتجفيف منابعه، لسدّ العجز في الميزانية، وأن تحدّد لها مهمات رئيسية؛ أولاها تنفيذ مخرجات الحوار، ثم حل القضية الجنوبية وقضية صعدة، والإعداد للانتخابات والاستفتاء على الدستور».


«معضلة» رفع الدعم عن المشتقات

ويبدو أن قرار رفع الدعم عن المشتقات هو النقطة الأكثر حساسية خلال التفاوض بين الجماعة والوفد الرئاسي، حيث تعتبر السلطة هذا القرار سيادياً ومدعوماً من المجتمع الدولي، لكون رفع الدعم كان شرطاً أساسياً للدول المانحة في كثير من مؤتمرات أصدقاء اليمن، وتعثّر الكثير من المنح بسبب تأخر السلطة في اتخاذ القرار. فيما يرى الحوثيون إلغاء القرار مطلباً رئيسياً في أي تفاوض حول التهدئة. ويقول محمد البخيتي في هذا الإطار، إن الوفد المفاوض «وافق على تغيير الحكومة، ولم يوافق على إسقاط القرار، وبالتالي ستستمر الجماعة في المطالبة بإسقاط الجرعة في الإطار السلمي والمشروع»، مشيراً إلى أن الاعتصامات المسلحة التي تقيمها الجماعة على مداخل العاصمة «تقع خارج صنعاء في نطاق قبلي، والقانون لا يمنع حمل السلاح في تلك النطاقات، بينما التظاهرات في المدينة سلمية وخالية من السلاح، ومنظّمو المسيرات منعوا دخول السلاح».
ويضيف البخيتي إن الجماعة طرحت حلاً بأن «يعود الدعم لمدة زمنية معينة، حتى تتمكن الحكومة الجديدة التي سيتمّ تشكيلها من تجفيف منابع الفساد ووضع برنامج اقتصادي واقعي»، ثم بعد ذلك يتم تشكيل لجنة خبراء اقتصاديين للنظر في إذا ما كان هناك حاجة لرفع الدعم عن المشتقات النفطية بشكل لا يضر بالمواطن»، لافتاً إلى أن الخطوات الاقتصادية المذكورة «ستكون كافية لسد العجز في الميزانية».
وفيما يطالب الحوثيون بإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، قال عضو في اللجنة الرئاسية إن اللجنة عرضت على زعيم الجماعة تغيير الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات، والبدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وبقي الخلاف حول إلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، غير أن قيادة الجماعة رفضت كل الحلول المقدمة، متسائلاً «ما الذي تريده الجماعة وقد منحتها اللجنة تحقيق كل مطالبها، باستثناء الخلاف حول قرار رفع الدعم عن المشتقات»، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار» إن «اللجنة قالت إن الحكومة المقبلة ستقوم بعمل إصلاحات اقتصادية كبرى؛ من بينها رفع الأجور لتخفيف آثار قرار رفع الدعم عن المشتقات».

تظاهرات مضادة

إلى جانب دعوة الرئيس هادي الجميع إلى اليقظة والحذر، نظمت هيئة «الاصطفاف الشعبي» المساندة للحكومة عصر أمس، مسيرة حاشدة شارك فيها مئات الآلاف من اليمنيين، في شارع الزبيري أكبر شوارع العاصمة صنعاء، ودعت المسيرة إلى الاصطفاف الوطني، وطالبت جماعة الحوثيين بالعدول عن «الاستقواء بالسلاح» وبسرعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والمطلب الأخير هو نفسه الذي هتفت به مسيرة أخرى نظمها «أنصار الله» في التوقيت نفسه في شارع المطار في صنعاء.
وعلى الرغم من فشل اللجنة الرئاسية في مهمتها، لا تزال هناك فرصة سياسية أخرى لحل الوضع، حيث تنوي جماعة الحوثي، بحسب قيادي في الجماعة، تقديم مشروع متكامل للحلّ، لافتاً إلى أن هناك تواصلاً بين الجماعة ومكتب الرئيس من أجل تقديم المشروع في أقرب فرصة، الأمر الذي قد يفكّ العقدة التي عجزت اللجنة الرئاسية عن حلّها، ويعيد الأمور إلى سياقها الطبيعي بعدما وصلت التعقيدات إلى ذروتها في بلد مهدد بالانهيار بين لحظة وأخرى.