برغم أن الاستخبارات الإسرائيلية تمكنت من تحقيق إنجاز مهم في سياق العدوان العسكري على غزة، فإنه لا يصح التعامل مع ما جرى كأنه بداية مرحلة جديدة، لأن هذا التوصيف يوحي بالضرورة كما لو أن إسرائيل امتنعت عن الاغتيال ضمن جزء من خطة عمل، ولم ينقصها سوى اختيار التوقيت. وهو أمر من الصعب جداً قبوله في سياق المواجهة الجارية.في المقابل، المؤكد أن إسرائيل كانت في أمس الحاجة إلى مثل هذه «الإنجازات» في مراحل سابقة، بل منذ اللحظات الأولى من المعركة. ووفق السوابق التاريخية، التي تعكس نمط التفكير الإسرائيلي في مثل هذه الحالات، كانت تل أبيب تبذل جهدها بأن تبدأ معاركها بضربات افتتاحية مؤلمة وقاصمة، لكن الفشل الاستخباري حال دون ذلك.

بناءً على ذلك، مع «الإنجاز» الاستخباري والعملياتي الأخير (اغتيال قادة كتائب القسام)، لن يغير ذلك التقييم المهني الاستخباري الإجمالي، مع أنه يغطي عليه إعلامياً ومعنوياً.
في المقابل، يصح إطلاق وصف مرحلة جديدة في العدوان على الخيار الجوي أو البري، باعتبار أن إسرائيل قادرة في أي وقت على المبادرة العملانية في أي من المسارين، ولا ينقصها سوى اتخاذ القرار الذي يتأثر عادة باعتبارات سياسية وردعية.
وكي تتحول سياسة الاغتيالات إلى أداة ضغط فعالة ومجدية في المواجهة وتحقيق نتائج سياسية مفصلية، فإنها تحتاج إلى تدفق معلومات استخبارية يمكن ترجمتها إلى إنجازات. أما الاقتصار على عملية ناجحة هنا أو هناك، فهو أمر غير كاف لتغيير المسار الاستراتيجي للمعركة.
ولجهة التعامل مع الاغتيال على أنه مؤشر على «مسار» استخباري متواصل، فهو من المبالغة بقدر، مع تأكيد أننا لا نقلل من أهمية الإنجاز الاستخباراتي والعملياتي من الناحية الإسرائيلية.
أيضا، تجدر الإشارة إلى أنه رغم القدرات التكنولوجية والمادية الهائلة التي تملكها إسرائيل، استطاعت المقاومة أن تحافظ على سلامة بنيتها على مستوى الكوادر والقيادة التي تدير المعركة طوال أكثر من شهر ونصف، وهو شرط ضروري لمواصلة المعركة والانتصار بها.
لا يقدح بذلك، حقيقة أن نجاح العدو في تنفيذ عملية الاغتيال يعني أن خطأً تكتيكياً قد حدث، أو خرقاً أمنياً قد تحقق، أو بفعل إبداع استخباري إسرائيلي معين، وخاصة أن المقاومين يتحركون في النهاية بين الناس، وفي منطقة يُطبق عليها العدو معلوماتياً عبر تكنولوجيته المتطورة.
بناءً على ذلك، ما جرى أمر من الممكن حصوله في أي مرحلة من المواجهة، لكن الأهم استخلاص العبر المطلوبة للحد من محاولات إسرائيل لمراكمة إنجازاتها في هذا المجال.
على صعيد آخر، مع أن الاغتيال يأتي في سياق مواجهة عسكرية قاسية، ونتاج جهد استخباري متواصل، فإن توظيفه يتجاوز الأبعاد المهنية، بما فيها محاولة رفع المعنويات، وصولاً إلى المستوى الدعائي والسياسي الداخلي. وهو أمر بات رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، أحوج ما يكون إليه في ضوء الهجمة الداخلية التي يتعرض لها من اليمين، وذلك لإشباع غريزة الانتقام لدى جمهوره الذي انعكس تذمره في تراجع نسبة تأييده من 82% مع بداية العدوان إلى 55%.
أيضاً، هناك أجواء من الابتهاج والفرح في الأوساط الإسرائيلية، لكن ليس من الصعوبة استنتاج أن فرضية العمل لدى الجيش الإسرائيلي ترى أن «حماس» ستبذل جهودها للرد بما يتناسب مع العملية، وخاصة أن تل أبيب ستواصل مساعيها في استهداف بقية كوادر وقادة المقاومة، ولا سيما أن كل سياسة القمع والمجازر لم تنجح في ردعهم وثنيهم عن التمسك بمطالب الشعب الفلسطيني.

مواجهة سيناريو الرد

وبالاستناد إلى تقارير إعلامية إسرائيلية، يستعد الجيش لمواجهة هذا السيناريو عبر مسارين: دفاعي، وهجومي. على المستوى الدفاعي يعمل الجيش على محاولة منع التعرض لصواريخ وعمليات قاسية داخل إسرائيل، أكان ذلك فوق الأرض أم من تحتها.
على المستوى الهجومي، يستعدون لرد هجومي بري داخل القطاع والسيطرة على أجزاء منه في حال نجاح «حماس» في تنفيذ رد قاس. وليس من الصعوبة تقدير أن أهم وأول اهتمامات الجيش الإسرائيلي إمكانية تنفيذ مثل هذا الرد عبر أحد الأنفاق.
على خط مواز، تؤكد التقارير أن التقدير الإسرائيلي يميل إلى تبني سيناريو أن المحادثات ستُستأنف في غضون بضعة أيام. وحتى ذلك الحين سيواصل الطرفان القتال في محاولة لتحقيق المزيد من الإنجازات.
ضمن السياق نفسه، بات من الواضح أن جيش العدو لا يؤمن بخيار إعادة احتلال القطاع. كذلك إن عدداً غير قليل من مسؤولي الأجهزة الامنية الإسرائيلية يرون إمكانية التوصل إلى تفاهم مجالاً لتشكيل خاتمة للمواجهة، وذلك انطلاقاً من تقدير أن «حماس» معنية بتسوية في نهاية المطاف، وأنه إذا عرضت عليها إسرائيل خطة ليس فيها عناصر إذلال «فستوافق على الخطة المصرية بما يضمن لها تسهيلات اقتصادية وإعادة بناء ما تهدم».

المعركة السياسية الداخلية مستمرة

وداخلياً، تحتدم المعركة السياسية بين الوزيرين نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان في مقابل نتنياهو ووزير جيشه موشيه يعلون، وبلغت مستوى من التراشق والردود العلنية عبر وسائل الإعلام، ثم تمددت المواجهة لتشمل رئيس أركان الجيش بني غانتس، وخاصة أن تقديراته وتوصياته بصفته رئيساً للمؤسسة العسكرية تصب في مصلحة الخيار السياسي الذي يتبناه الثنائي الأخير: نتنياهو ـ يعلون.
على هذه الخلفية، نقلت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، عن وزراء في المجلس الوزاري المصغر، قولهم إن غانتس «يريد فقط إنهاء القضية»، وأضافوا متهكمين: «ما حدث حتى الآن يعتبر بنظر الجيش نجاحاً عسكرياً». وبرغم أن القناة لم تفصح عن هوية الذين عبروا عن هذه المواقف، فإنها بالضرورة صادرة عن التكتل المعادي للخيار السياسي العملاني لرئيس الحكومة.
وفق الوزراء أنفسهم، فإن «الجيش دفع اتجاه الموافقة على المسودة المصرية الأولى (لوقف إطلاق النار) التي جرى تقديمها ولم تكن إيجابية». وأضافوا أنه «طوال ستة أسابيع سمعنا»، في إشارة إلى تقديرات وتقارير الجيش، «أن حماس مرتدعة وتريد وقف النار، وكنا نرى كل مرة أن الأمور ليست كذلك».
وتابع هؤلاء أنه في إحدى المرات «جاء ضابط كبير وقال لأعضاء المجلس المصغر إن الجيش وجه ضربات شديدة للغاية إلى حماس، لدرجة أن علينا أن نعطيه إنجازاً». لكن أحد الوزراء رد بالقول: «قد يتعين عليكم في المرة المقبلة أن توجهوا ضربات أقل شدة كي لا نضطر إلى تقديم تنازلات خطيرة لحماس!».

عن الخسائر الاقتصادية

من جانب آخر، ذكرت صحيفة «ماركر» الاقتصادية، أن تكاليف الحرب على قطاع غزة بلغت حتى اليوم الحادي والأربعين نحو تسعة مليارات شيكل (2.5 مليار دولار). وأضافت أن المبلغ المذكور يتضمن التكاليف العسكرية للحرب، ولا يأخذ بالحسبان الأضرار المدنية والخسائر غير المباشرة للاقتصاد.
ونقلت «ماركر» عن وزارة المالية أن المبلغ الذي يتوقع أن يزيد كثيرا سيحتسب في إطار ميزانية عام 2014. كذلك أوضح التقرير نفسه أن تكلفة جندي الاحتياط تبلغ 500 شيكل يومياً (150 دولاراً)، مشيراً إلى وجود 60 ألف جندي احتياط كما هو الحال حتى أمس، ما يعني 30 مليون شيكل يومياً. وكل أسبوع 200 مليون شيكل، وإذا ما تطلب الوضع تجنيداً واسعاً للاحتياط، فإن التكلفة سترتفع إلى مليار شيكل.
في سياق متصل، سببت الحرب على غزة هرب شركات الإنتاج الأميركية وإلغاء العقود مع نظيرتها الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل خسائر هذا القطاع تبلغ مئات آلاف الدولارات، كما قالت صحيفة «غلوبس» الاقتصادية. أيضاً ذكر موقع صحيفة «هآرتس» أن إدارة دوري الدرجة العليا الإسرائيلية لكرة القدم، قرر تأجيل بدء مباريات الدوري الذي كان مقرراً نهاية الأسبوع الحالي، وذلك على خلفية الوضع الأمني.