غزة | «أهوى تصوير القصف حتى لو كان على حساب حياتي»، هكذا بدأ الشاب معتصم مطر حديثه، فهو بمجرد أن يستمع إلى أي صوت انفجار يسابق الزمن ويصعد إلى سطح المنزل، ويجلس في مكان آمن قدر المستطاع، ثم يدير هاتفه النقال المميز بجودة عالية في التصوير إلى اتجاه البيت المستهدف ليسجل اللحظات الأخيرة من عمر ذلك المنزل.
يتحدث معتصم (18 عاما)، الذي يقطن في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بنوع من السعادة عن هوايته التي قد تتسبب في خسارته روحه بلحظة قصيرة، لكنه يؤكد أنه منذ بداية الحرب يخاطر لتصوير القصف بالفيديو ثم بالصور. مرة يستطيع أن يوثق الصاروخ التحذيري الذي يسبق قصف المنزل كليا، وأخرى يفوته هذا المشهد، كما يسعى إلى تصوير استهداف والأراضي والمنشآت المختلفة. وحالما ينتهي القصف ويطمئن إلى سلامة هاتفه ثم سلامته، ينتظر بشوق الكهرباء أو يذهب إلى أي مكان قريب ليرفع المشهد على «اليوتيوب» حتى يراه أكبر عدد من الناس. وعن بداية هذه «الهواية»، يقول لـ«الأخبار»: «قصفوا منزلا في الحي الذي أسكنه بصاروخ من طائرة استطلاع، فصعدت فورا إلى سطح يبعد عن المنزل عشرات الأمتار، وجلست في زاوية، وضبطت الجهاز بزاوية تقنية حتى لا يطير من قوة الانفجار أو تتحرك يدي، وما هي إلا ثوان حتى قصف المنزل والتقطت المشهد». ومنذ أن انتشرت المشاهد التي التقطها على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض الوكالات والفضائيات، أغراه الأمر للمخاطرة والبحث عن الأماكن التي قد تتعرض للقصف ويتنظر لدى بعض أصدقائه ومعارفه حتى تحين اللحظة.

خسر بعض الهواة مشاهد القصف بسبب سقوط كاميراتهم مع شدة الانفجار


وبرغم تحذيرات وزراة الداخلية الناس من الخطورة البالغة بشأن التجمع قرب البيوت المهددة بالقصف، وتسبب ذلك في إصابة بعض الغزيين، لا يأبه مطر لجميع هذه المخاطر، ولا حتى لتكرار تعنيف والديه. ويتابع: «كثيرون من الشبان الذين أعرفهم في عدة مناطق يصورون هذه اللحظات... ليس لدى الكل الجرأة على تصوير هذه الجرائم التي يجب توثيقها ونشرها». في المقابل، هناك بعض المصورين المحترفين، أو الذين يعملون مع وكالات الأنباء، يلجأون إلى تثبيت كاميراتهم في مكان قريب ويتركونها ثم يعودون بعد انتهاء القصف.
أيضا يشارك مطر في هوايته الخطيرة الشاب سعيد حماد من مدينة غزة، مبررا خطوته بالقول إن أصدقاءه في الخارج، ومناصري القضية الفلسطينية، يرون أن هذه المشاهد أبلغ من مليون كلمة في الوصف «وخاصة مع وحشية العدوان المستمر».
حماد (20 عاما) يشدد على أنه يهتم بتأمين نفسه مقارنة بمعتصم، فهو بمجرد سقوط صاروخ التحذير يسرع إلى وضع كاميرته المتواضعة على حجر ويثبتها به، ثم يشغّل التسجيل وينطلق إلى أقرب مكان يمكنه فيه مشاهدة كاميرته، كما ينتظر انتهاء القصف والآثار المترتبة عليه كالشظايا والغبار حتى يعود إلى الكاميرا.
مع ذلك، يشير إلى أن ما يساعدهم على تصوير المنازل التي تقصف خلو المنطقة من المارة، «ما يتيح أخذ مساحة كبيرة تحافظ على أرواحنا وتسجل سقوط الصاروخ ونتائجه»، لكنه نبه إلى إخفاقه في تسجيل عدد من المشاهد نتيجة تحرك الكاميرا ووقوعها لشدة الانفجار أو قربها من البيت المستهدف، لذلك، فهو بعد عدة تسجيلات أصبح لديه دراية بكيفية وضع الكاميرا لتحقيق أفضل تسجيل مع التأكد من ثباتها وسلامتها.
ويصمم حماد على وضع اسمه على الفيديوهات التي ينشرها، أملاً في الحصول على فرصة عمل في إحدى الوكالات الدولية، أو المواقع المحلية، ويتابع: «لا نرى صحافيين خلال قصف المنازل، فهم مشغولون بالتغطية معظم الوقت من المستشفيات، ولا يُسعفهم الوقت على الحضور، لأن ما بين الصاروخ التحذيري وتدمير البيت دقائق معدودة».
وتقدر أرقام صادرة عن الأمم المتحدة أن 11 ألف منزل دمرت كليا في غزة، فيما 36 ألفا أخرى أصبحت غير ملائمة للسكن، وهذا يفوق بمرتين عدد المنازل التي دمرت خلال عملية «الرصاص المصبوب» عام 2008-2009. وتشير التقديرات إلى أن الفلسطينيين بحاجة إلى أكثر من 6 مليارات دولار لإعادة تأهيل الطرق وبناء المنازل والمدارس والكهرباء بسبب القصف.