عادت أمس سياسة المجازر الإسرائيلية وأولها كانت بحق عائلة الدلو التي قضى منها عشرات الشهداء والجرحى بعد قصف منزلها بخمسة صواريخ ثقيلة من الطائرات الحربية، ما وضع المقاومة الفلسطينية أمام خيار واحد هو العودة إلى الرد تحت عنوان «حرب الاستنزاف»، ولا سيما أن مفاوضات القاهرة انهارت مساء أمس بعد نحو أسبوعين أخفق خلالهما الوفدان الإسرائيلي والفلسطيني في الوصول إلى نتيجة بفعل تعنت العدو، والقرار الأميركي الواضح بمنع تثمير إنجازات المقاومة سياسيا.
وأعلنت فصائل المقاومة قبل انتهاء التهدئة بنصف ساعة أنها قصفت مدن القدس و«تل أبيب» ومطار «بن غوريون» ومدن بئر السبع، و«نتيفوت»، و«كريات ملاخي»، و«سديروت» بعشرات الصواريخ ردا على الاختراق الإسرائيلي.
وكان بارزا ذكر بيان «القسام» استخدام صاروخ فجر 5 الإيراني خلال القصف، كما أكد البيان أن «قصف منزل عائلة الدلو فتح أبواب جهنم على العدو»، لكن اللافت أكثر عبارة وردت في بيان الكتائب جاء فيها: «نتحدى العدو الصهيوني أن يعلن عن السبب الحقيقي الكامن وراء هذا العمل الجبان في قصفه لمنزل عائلة الدلو»، وهو ما عزته وسائل إعلام عبرية (موقع القناة العاشرة) إلى محاولة اغتيال قائد الوحدة الصاروخية في «القسام»، لكن لم يظهر نجاحها حتى كتابة النص، كما قالت القناة العبرية إن معلوماتها بناء على تقديرات أمنية.

وسائل إعلام
إسرائيلية: قصف عائلة الدلو كان محاولة اغتيال قائد في المقاومة


مباشرة، ألقت الولايات المتحدة اللائمة على «حماس» لـ«خرقها» وقف إطلاق النار، وقالت نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماري هارف، أمس، إنه «وفق علمنا فقد تمت الموافقة على تمديد وقف إطلاق النار لكنه سرعان ما خرق». وجددت تأكيدها «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد هذا النوع من الهجمات».
من جانبها، ردت «حماس» على تصريحات الخارجية الأميركية بالقول إنها «شرعنة لقتل المدنيين الفلسطينيين وتدمير لفرص التوصل إلى اتفاق تهدئة»، وأضاف المتحدث باسمها، سامي أبو زهري، أن «الوفد الفلسطيني سلّم موقفه النهائي من التهدئة للوسيط المصري». وتابع أن «المقاومة قادرة على التعامل مع كل الخيارات والتطورات».
وفجر اليوم خرج رئيس الوفد الفلسطيني، عزام الأحمد، في مؤتمر صحافي أكد فيه أن الوفد قدم ورقة نهائية إلى الجانب المصري منذ العصر، «لكن العجرفة الإسرائيلية تمثّلت في رفض الرد وسلسلة الغارات الوحشية ردا على ثلاثة صواريخ بدائية لم تجرح أحدا أو تدمر شيئا، ما يصعب علينا إقناع القادة الميدانيين بأن هناك أملا للحلول السياسية». واستدرك الأحمد: «مغادرتنا القاهرة ليست انسحابا، بل أبلغنا المصريين استعدادنا للعودة في حال استجد شيء». ونفى أي علاقة لزيارة رئيس السلطة، محمود عباس، إلى القاهرة (المقررة الجمعة) بالمفاوضات التي انهارت.
وبدأ فرط العقد أمس حينما ادعت إسرائيل أن ثلاثة صواريخ فلسطينية سقطت على النقب المحتل (جنوب)، لكن من المبالغة القول إن هذه الصواريخ الفلسطينية، إن صحت الرواية الإسرائيلية بشأنها، هي التي فجرت الموقف، فالمفاوضات حتى تمديد التهدئة ليوم واحد (حتى منتصف الليل) كانت في حكم المنتهية بلا نتائج، كما أعلنت مصادر فلسطينية. وكان أبو زهري قد نفى علم حركته بإطلاق صواريخ من غزة على النقب، وأوضح أن الغارات الإسرائيلية على غزة تهدف إلى إجهاض مفاوضات القاهرة
وأعلنت مصادر قريبة من «حماس» أن مفاوضات الأيام الماضية انتهت من دون التوصل إلى اتفاق أو حتى تمديد للتهدئة، وذلك بعد مغادرة الوفد الإسرائيلي مساء أمس، لذلك قرر الوفد الفلسطيني المغادرة اليوم. كذلك قال القيادي في «الجهاد الإسلامي»، خالد البطش، لوكالة «معا» المحلية إن المفاوضات انهارت «ولم نتوصل إلى اتفاق صريح ونهائي بسبب التعنت الاسرائيلي».
وبغض النظر عن صحة الرواية الإسرائيلية عن الصواريخ التي سقطت جنوب فلسطين المحتلة، فإن من المؤكد أن الطرف الفلسطيني كان يحتاج إلى إفهام الإسرائيلي بأن البديل عن التوصل إلى اتفاق لن يكون معادلة «هدوء مقابل هدوء» من دون تلبية مطالب الشعب الفلسطيني الملحة.
وفي مقابل الرهان الإسرائيلي على أن تجبر التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الفلسطيني قيادة الفصائل على تقديم تنازلات سياسية، أو ردعها عن مواصلة الرد، كانت المقاومة تحتاج إلى منطق استدلالي من نوع خاص يبدد الأوهام التي راودت كثيرين في إسرائيل وجعلتهم يعملون على أن تنعم مستوطنات جنوب إسرائيل بالهدوء في ظل استمرار معاناة غزة.
أيضاً، كانت المقاومة تحتاج إلى «مساعدة» قيادة العدو على اكتشاف عقم رهاناتها بأن يؤدي رفع مستوى القلق لدى الجمهور الفلسطيني عبر التهديدات التي حرص قادته على تظهيرها عبر وسائل الإعلام، إلى إنتاج قرارات سياسية وعملانية تتلاءم مع آماله.
مع ذلك، أدرك الإسرائيليون مسبقاً أن حشر الفلسطينيين على طاولة المفاوضات، سيلغي مروحة من الخيارات التي تناولها عدد من المعلقين إزاء مرحلة اليوم الذي يلي إخفاق المباحثات، بل جعل هذا المقاومة أمام خيار وحيد، هو مواصلة الرد بغض النظر عن التوقيت والأسلوب والحجم. وكان من الطبيعي أن يكون تقدير القيادتين السياسية والأمنية في تل أبيب يميل إلى تبني «خيارات عدوانية» لتعزيز قدرة الردع، وترجمها جيش العدو عبر غارات واعتداءات.
هذا المنسوب من التعزيز بات مطلوباً وحاضراً بقوة على طاولة صانع القرار الإسرائيلي، في ظل انسداد السبل أمام المفاوضات السياسية، وهي نتيجة قرار استراتيجي سبق أن عبَّر عنه رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، بالقول إنه «إذا كانت حماس تعتقد أن بمقدورها التغطية على خسارتها العسكرية بإنجاز سياسي فهي مخطئة»، كما عكسته حركة المفاوضات التي كانت مضبوطة بشعار «ممنوع على الفلسطيني أن يحقق إنجازات بفعل المقاومة».
تأسيساً على ما تقدم، وسواء أكانت الصواريخ اختراعاً إسرائيلياً، أم جاءت الاعتداءات التي شنها سلاح الجو من موقع الرد على هذه الصواريخ، فإن الرد الإسرائيلي أتى وفق تقدير محدد، ومن أجل أهداف مرسومة تتطلبها السيناريوات السياسية والأمنية التي ستليها.
ورغم أن الميدان يسهم في بلورة مجريات أخرى للأحداث بعيداً عن المسارات التي تحددها القيادات السياسية، كإيقاع مجزرة كبيرة بالفلسطينيين أو مقتل إسرائيليين جراء صواريخ فلسطينية، فإننا نحتاج إلى متابعة مجرى المواجهة واتجاهاتها التي تجددت أمس واليوم لاكتشاف العامل الأساسي الذي سيتحكم في رسم المسارات الميدانية واكتشاف العامل السياسي الداخلي (الاسرائيلي) أو ما له صلة بطاولة المفاوضات، أم إن تطورات الميدان ستكون لها ديناميكيتها التي تفرض نفسها على صانع القرار لجهة تحديد وتيرة العدوان.
ضمن السياق نفسه، رأى أحد أعضاء المجلس الوزاري المصغر، في حديث لموقع «واي نت» العبري، أنه «من المحتمل أن المفاوضات لم تنهار نهائيا»، مضيفاً، من دون أن يذكر اسمه، «بالأمس كان هناك شعور بأن الأطراف قريبون من الاتفاق، وكل شيء كان منتهيا، لكن حماس قررت تصليب مواقفها». ولفت إلى ضرورة الانتظار لرؤية ما إن كان التصعيد الأمني من نوع الكباش الذي يقع في «اللحظة الأخيرة في المفاوضات أو أنه تعبير عن رغبة حقيقية في التصعيد». ورأى أن «الأمور غير واضحة، لذلك فإن الانتظار مسألة حاسمة في هذه المرحلة».
في كل الأحوال، يبقى القدر المتيقن أن نقطة الارتكاز في الرهان الإسرائيلي تتمحور حول مفاعيل الآلام والمعاناة التي سبّبها، ولا يزال يسببها، جيش العدو للفلسطينيين عبر خطة هجمات نفذها وفق تعليمات المستوى السياسي الذي يواكبها بخطاب إعلامي يحمّل فيه الضحية المسؤولية.
على خط آخر، حرص نتنياهو، لاعتبارات داخلية بالدرجة الأولى، على أن يبدو انسحابه من المفاوضات بناءً على قرار بادر إليه ضمن جزء من «الرد على خرق اتفاق التهدئة من الطرف الفلسطيني». ووفق التقارير الإعلامية العبرية، فقد صدر أمر الانسحاب من رئيس الحكومة ووزير الجيش، موشيه يعلون، كذلك أتت غارات سلاح الجو الإسرائيلي بناءً على تعليمات الاثنين، مع الإشارة إلى أن الجبهة الداخلية قررت فتح الملاجئ قبل رد المقاومة بساعات.
ومع تقدم نتنياهو خطوة إلى الأمام، وفق معايير اليمين المتطرف داخل حكومته، فإن هذا لم يمنع وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، من الغمز للأول، فانتقده ضمناً بالتعقيب على إطلاق الصواريخ من غزة: «عندما تريد الانتصار على منظمة إرهابية، ينبغي الحسم معها، وعندما تدير مفاوضات مع منظمة إرهابية، تتلقى المزيد من الإرهاب». وفسر بينيت انهيار وقف النار بفكرة أن «حماس تظن أن إطلاق الصواريخ يساعدها على تحقيق إنجازات في المفاوضات»، وأكمل: «إطلاق الصواريخ ليس خطأً بالنسبة إليها، لكنه منهج». كذلك قدر الوزير أنه «عاجلاً أو آجلاً، ستضطر إسرائيل إلى الحسم مع حماس».




ليبرمان أربك نتنياهو بعرضه المبادرة المصرية المعدلة

على صعيد آخر، كشفت صحيفة «هآرتس» أن نتنياهو أخفى خلال جلسة المجلس الوزاري المصغر، الخميس الماضي، الاقتراح المصري لوقف النار، فأربكه وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، بعرض نسخة عنه ليضعه في موقف محرج. ونقلت الصحيفة عن موظف إسرائيلي أن ليبرمان باغت نتنياهو بنسخة من الوثيقة، «الأمر الذي سبب حالة غضب وهيجان بين الوزراء».
أما نتنياهو فحاول الدفاع عن نفسه، وبرر موقفه بالقول إن الحديث يدور عن وثيقة من بين وثائق كثيرة بحثت خلال الأيام التي سبقت الجلسة، مشيراً إلى أنه لم يوافق عليها، ثم قدم الوثيقة أمام الوزراء، مؤكداً لهم أن إسرائيل لا تقبلها لأنها لا تستجيب لمتطلباتها الأمنية.