بغداد | يبدو أن نسق تأليف الحكومة العراقية الجديدة سريع جدا، تحت تأثير أميركي وإقليمي. كل المؤشرات التي تتسرب من صالون التحالف الشيعي العراقي، تشير إلى ذلك، لكن «سرعة الاتفاق السياسي» ليست مألوفة في العراق، حيث يجري البحث عن تقاطع المصالح بين الأقطاب الرئيسية في العملية السياسية، الشيعة والكرد والسنة، الذين لم ينجزوا في حكومات سابقة اتفاقات سياسية سريعة.
وتحت طاولة المفاوضات القائمة اليوم، ثمة لغم يمثله ائتلاف «دولة القانون»، إذا قرر المشاركة في الحكومة، الأمر الذي قد يؤخّر المفاوضات. ويدور في كواليس «التحالف الوطني» جدل سياسي في شأن مشاركة نوري المالكي في الحكومة، أو الذهاب إلى المعارضة، فيما تزداد التوقعات بشأن المنصب الذي سيحصل عليه. يقول مصدر سياسي لـ«الأخبار»، إن تسوية الخلاف بين المالكي، و«المنقلِب عليه» حيدر العبادي، تطلبت «حماية مصالح ائتلاف دولة القانون الذي توسع نفوذه خلال ولايتين حكوميتين». وقد أفصح رئيس الوزراء الجديد عن طبيعة الاتفاق مع سلفه حين صرح الأسبوع الماضي بأن «الأخ المالكي شريك أساسي في العملية السياسية».

المالكي خارج دائرة المناصب السيادية
ولكنه في «الحديقة الخلفية» للعبادي

ويبدو أن وضع المالكي حرج جدا، إذ رضخ لصفقة سياسية لم يفلح في أن يكون عرابها مع تغير خارطة العملية السياسية العراقية. وفي مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه الطعن القضائي في تكليف العبادي، ظهر معه نحو ٣٠ نائباً من «دولة القانون»، بمن فيهم النواب الجدد، فيما غاب أبرز قادة حزبه، «الدعوة الإسلامية»، لكنّ قادة «الدعوة» أولئك عادوا ليظهروا في آخر مؤتمر له، حين أعلن سحب ترشيحه لمصلحة العبادي، الذي كان الى جانبه.
وخلال الأسبوع الماضي، التزم نواب «دولة القانون» الصمت في شأن مصيرهم السياسي، بين الحكومة والمعارضة، لكن غالبيتهم، وخصوصاً من فازوا بالدورة البرلمانية الأخيرة، ترشحوا للبرلمان على إيقاع «الظفر بمناصب حكومية»، أو الحضور في كتلة برلمانية تمسك بالحكومة. ويقول المصدر: «لقد تعرض دولة القانون لصدمة كبيرة حين خرج زعيمه من المشهد، وهم في الأساس كانوا قد جهزوا قائمة بالمناصب الحكومية من وزراء ووكلاء وزارات ومستشارين ومدراء عامين». ويبدو أن المالكي، اليوم، يواجه طموحات كتلته ليضمن، على الأقل، بقاءهم معه، الأمر الذي يصعّب عليه الاختيار بين المعارضة والسلطة.
وكان المالكي قد كتب أخيراً على صفحة رسمية له على موقع «تويتر»، «سأعود إلى طويريج»، البلدة التي ولد فيها في كربلاء. ولكن بصرف النظر عن صدقية ذلك، فإنه لن يتمكن من اصطحاب «دولة القانون» إلى تلك البلدة في خطوة سياسية مفعمة بالزهد. وبالتالي يواجه العبادي خطر ألا يكون رئيساً للوزراء من دون أن يفتح «صندوق المالكي».
«رجال أعمال تجذروا في المؤسسات، واختلطت أرباحهم بمنافع عامة. اتفاقات مالية هشة مع ضعفاء الطوائف، خلقت هدنة أمنية مؤقتة. وهيكل إداري وعسكري، قد تمثل إزاحته فراغاً أسوأ مما كان قبل ذلك»، بحسب المصدر السياسي، الذي يضيف إنه «قد يكون من مصلحة العبادي إشراك المالكي في الحكومة تحسباً لفوضى تقاطع المصالح».
ثمة سيناريوهات محتملة لمستقبل المالكي، أقلها احتمالاً أن يلتزم المعارضة، فيما يقول المصدر «أستبعد أن أرى المالكي في البرلمان زعيماً للمعارضة»، لذلك فإن السيناريو المحتمل أن يكون المالكي خارج دائرة المناصب السيادية، لكنه سيكون في «الحديقة الخلفية» لللعبادي، كجزء من الترضية، بينما يحصل ائتلافه «دولة القانون» على حصص في الحكومة الجديدة.
ويتركز الخلاف الحقيقي على ما يعرف في التقاليد السياسية العراقية بـ«التسعيرة والنقاط»، إذ يحدد «ثمن» المنصب الحكومي بعدد النقاط، وكل نقطة تمثل عدداً من المقاعد. مثلاً، في الحكومة السابقة كان سعر النقطة الواحدة مقعدين ونصف مقعد، وكانت نقاط الوزارات تراوح ما بين ثلاث وثماني نقاط، لكن نقاط منصب رئيس الوزراء بلغت بحسب مصادر بين ٢٠ و٢٥ نقطة، ما يعني أن الكتلة التي تفوز بمنصب رئيس الحكومة تحرق لسعر هذا المنصب عشرات المقاعد، ولا يمكنها الحصول على عدد آخر من الوزارات.
وينطبق هذا الحساب على عدد مقاعد «دولة القانون»، التي ذهب غالبيتها لـ «حساب» منصب رئيس الوزراء، الذي هو ليس للمالكي، بطبيعة الحال. ويقول المصدر «النقاط الباقية لدولة القانون ستستعمل على الأرجح لمناصب تنفيذية». ويبدو أن شعار «حكومة واسعة التمثيل» سيشمل المالكي، أيضاً. وكانت تسريبات صحافية قد تحدثت عن عرض قدمه «التحالف الوطني» إلى المالكي لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية، الذي لم يفصح المالكي ما اذا كان سيوافق عليه، كما لم ينف أنه تلقى مثل هذا العرض.
ويؤكد المصدر أن ما يجعل جلوس المالكي في المعارضة أمراً صعباً هو استحواذه على الأذرع الأمنية في جهازي الداخلية والدفاع، فيما «التحالف» حائر في إحداث انقلاب في معادلة الأمن خشية الفراغ.




«دولة القانون»: العبادي تكنوقراطي لن يرضى بعديمي الكفاءة

أكد ائتلاف «دولة القانون»، أمس، أن قائمة المرشحين للوزارات التي يحاول البعض الترويج لها «غير صحيحة»، خاصة أنها تضمنت أشخاصاً عليهم ملفات فساد أو أحكام قضائية.
وأوضح عضو الائتلاف صلاح عبد الرزاق أنه «من غير الممكن القبول بعودة مثل أولئك الأشخاص لتولّي مناصب وزارية أو مسؤولية الهيئات المستقلة في الحكومة الجديدة، خصوصاً أن الساحة العراقية تزخر بالشخصيات الكفوءة والنزيهة». وأضاف أن «الساحة العراقية ليست عقيمة أو مقتصرة على أولئك الأشخاص، الذين تولّى أغلبهم مناصب في الدولة عن طريق الحظ والصدفة فقط، ومن دون تقويم لأدائهم وخلفياتهم»، لافتاً الى أن «بث مثل تلك القوائم غير مقبول، لأن رئيس الحكومة المكلّف حيدر العبادي (الصورة) شخصية علمية تكنوقراطية، سيعتمد معايير دقيقة في اختيار الوزراء، ومن غير الممكن أن يقبل بهم». ودعا عبد الرزاق إلى «عدم طرح أسماء المرشحين للوزارة قبل المصادقة على القائمة التي سيتم اختيارها بالفعل»، مؤكداً في الوقت نفسه «عدم اختيار أية شخصية للوزارة الجديدة حتى الآن».
(الأخبار)