إذا كان من وصف يُمكن أن ينطبق على انتخابات مجلس الأمّة الكويتي التي أجريت، أول من أمس، فهو أنها كانت «انتخابات قبائل»: القبائل تنتخب، والقبائل تنتصر وتحتفل. وإذا كان من مغزى لذلك، فهو أنه دليل على عدم الاستقرار السياسي الذي أتعب الكويتيين؛ إذ إن تلك الانتخابات هي الثانية في أقلّ من 7 أشهر، والثالثة في أقلّ من عامين ونصف عام. وفي هذه الحالات، يَأوي الناخب إلى الوحدة الأساسية للاطمئنان، وهي القبيلة، فضلاً عن الاستفادة من علاقته المباشرة بالنائب لتخليص معاملاته وقضاء مصالحه.ولهذه الأسباب، لم تفِد لا القوانين التي تسعى للحدّ من غلواء القبليّة، عبر تجريم ما يُسمّى «التشاوريات»، أو الانتخابات الفرعية التي تجريها القبائل قبل يوم الاقتراع لتحديد مرشّحيها، ولا دعوات النُّخب الكويتية إلى التصويت على أسس وطنية والخروج من بوتقة القبيلة. فحتى السياسة بمعناها العقائدي التي طبعت الحياة السياسية في البلد، ولا سيما في سنوات ذروة ما سمّي «الربيع العربي»، غابت إلى حدّ كبير؛ فلم يكن الإسلام السياسي طاغياً على الدورة الحالية، وتراجعت نسبة أصحاب اللحى الطويلة بين الفائزين. وعلى سبيل المثال، سقط معاذ الدويلة، وهو نجل أحد الرموز «الإخوانية»، النائب السابق، مبارك الدويلة. كما لم يتمكّن النائب السلفي السابق، وليد الطبطبائي، من التصويت، وقال للصحافيين: «جنّي بدون»، أي كأنه من فئة غير محدّدي الجنسية المعروفة بـ«البدون». وهذا حال الكثير من النواب السابقين الإسلاميين والقريبين منهم، مثل مسلّم البراك وفيصل المسلم وغيرهما.
الشعار الذي خيضت على أساسه الانتخابات من قِبل الجميع، هو محاربة الفساد وتنفيذ إصلاحات تحتاج إليها الكويت بشدة، لإطلاق عجلة التنمية التي سبقتها إليها دول الخليج الأخرى. ومن هذه الزاوية، كانت السياسة حاضرة، حيث فاز من يُصنَّفون بأنهم معارضون بـ29 مقعداً من أصل 50 يتكوّن منها المجلس المنتخَب. لكنّ المعارضة في الكويت كلمة مطّاطة، يمكن لمن يُدرجون أنفسهم تحت عناوينها عقد صفقات جانبية مع الحكومة تحقّق مكاسب ومطالب لدوائرهم الانتخابية، وفي الغالب لقبائلهم. كما أن شعار محاربة الفساد والمطالبة بالإصلاح، هو في الكثير من الأحيان الاسم الحركي لإعادة توزيع الثروة من خلال إجراء تغييرات في سلّم القيادة، بما يفضي إلى إشراك ممثّلي القبائل في صناعة القرار. ويعزّز تلك النظرة عدم انتخاب سوى امرأة واحدة في المجلس الجديد هي جنان بوشهري. ولذا، لا يمكن تقدير ما إذا كان هذا المجلس سيكمل ولايته، ومدّتها أربع سنوات، أم أنه سيصطدم بالقيادة السياسية ويجري حلّه والدعوة إلى انتخابات أخرى. واحتفظ 38 من بين 50 هم أعضاء المجلس الذي انتُخب في كانون الأول 2022، وأبطلته المحكمة الدستورية، بمقاعدهم في المجلس الجديد.
الجرعة القبلية الزائدة للانتخابات كانت واضحة خلال الحملة وخلال يوم الاقتراع وفي النتائج والاحتفالات بالفوز


ولكنّ نتائج هذه الانتخابات تكرّس ميزان القوى الذي كانت قد رست عليه الكويت منذ وصول أحمد النواف للمرّة الأولى إلى رئاسة الوزراء في 24 تموز 2022، وترؤسه أكثر من حكومة منذ ذلك التاريخ. فرئيس الوزراء، وهو نجل الأمير نواف الأحمد الصباح، الذي لا يمارس مهامه بالكامل بسبب المرض، منفتح على إشراك المعارضة الفعلية، أي القبلية، في الحكم، ضمن ما صار الكثيرون يتلمّسون أنه مشروع لدى وليّ العهد، مشعل الأحمد الصباح، الحاكم الفعلي للدولة، لمستقبل القيادة السياسية، التي لا تزال لم ترسُ على برّ، منذ وفاة الأمير الراحل صباح الأحمد الصباح. والظاهر من هذا المشروع أنه يقوم على ثنائية مشعل الأحمد - أحمد النواف. وتبعاً لما تَقدّم، كان فوز رئيس مجلس الأمة السابق، مرزوق الغانم، بطعم الخسارة، على رغم أنه حلّ أولاً بين الفائزين العشرة في الدائرة الثانية، حيث خاض السباق، في حين سقط النائب السابق والمرشح البارز، عبيد الوسمي، الذي كان قد قاد بصفته ممثّلاً للمعارضة، مع الغانم، بصفته ممثّلاً للقيادة السياسية، ما سُمّي بـ«الحوار الوطني» الذي أفضى قبل الانتخابات السابقة إلى إعادة أبرز رموز المعارضة المهجّرين إلى تركيا، والذين كانوا قد خاضوا صراعاً مريراً، في الشارع والبرلمان، مع القيادة السياسية ممثّلة بالراحل صباح الأحمد إبان «الربيع العربي». وغرّد أحد الكويتيين المعارضين للغانم، على سقوط الوسمي، بالقول إن «اللي يوقف مع مرزوق خسران».
وبناءً عليه، من المتوقّع أن يفوز الزعيم التاريخي للمعارضة، أحمد السعدون، برئاسة المجلس، وهو فاز برئاسة المجلس المنتخَب في كانون الأول 2022، والذي أبطلته المحكمة الدستورية بسبب مخالفات انتخابية، وأعادت المجلس المنتخب في عام 2020 برئاسة الغانم، والذي عاد الأمير وحلّه داعياً إلى انتخابات جديدة. وهو ما قد يكون فهمه الغانم كإشارة إلى أن الأمور لا تسير بسلاسة بين المعارضة والقيادة السياسية، ليعود إلى الترشّح في انتخابات أوّل من أمس، بعدما امتنع عن الترشّح لانتخابات 2022. ويَعتبر الغانم النواف خصماً له، وكان قد خاطبه في تصريح في نيسان الماضي بالقول إن «وجودك خطر على الكويت»، كما أخذ في ندوة عشية الانتخابات الأخيرة على النواف، أن بعض من يؤيّدونه من المعارضين صاروا يطلقون على عهد صباح الأحمد «العهد البائد»، قائلاً «إن هذا عيب».
الجرعة القبلية الزائدة في هذه الانتخابات كانت واضحة خلال الحملة الانتخابية، وخلال اليوم الانتخابي، وفي النتائج والاحتفالات بالفوز. وصار أنصار المرشّحين القبليين ينشرون أرقاماً لعدد من أدلوا بأصواتهم من هذه القبيلة أو تلك. وأيّ استعراض لأسماء الفائزين يُظهر انتماءهم إلى قبائل كالرشيدي والمطيري والعنزي والعازمي والكندري والهاجري والعجمي وغيرهم، ولكنّ الاكتساح الأكبر للقبائل كان في الدائرتين الرابعة والخامسة، من بين الدوائر الخمس التي أُجريت فيها الانتخابات، والمكوَّنة كلّ منها من عشرة مقاعد.