دمشق | تعصف حمّى السفر بقسمٍ لا بأس به من شباب العاصمة وريفها. أوروبا هي الخيار المثالي لهؤلاء، أما السويد فهي «مملكة الأحلام» التي يمكن أن يطوي فيها المهاجر صفحة مظلمة من حياته. لكن الهجرة الى حياة أفضل مجازفة خطيرة، قد تكلّف المرء حياته غرقاً على زوارق الهجرة غير الشرعية، أو على أيدي عصابات تهريب البشر، التي لا ترى من المهاجرين إلّا ما تبقّى في جيوبهم من شقاء العمر.
كثيرةٌ هي أسباب الهجرة، بعضها قاهر وبعضها الآخر آتٍ من الخوف مما ستأتي به الأيام. يقول شاب يستعد للسفر قريباً إلى السويد، لـ«الأخبار»: «تعرضت للاعتقال مرات عدة. اسمي لا يزال على قوائم الأمن، رغم أنني سوّيت وضعي القانوني بعد أول اعتقال. هذا الأمر يخيفني وعائلتي باستمرار. وهو ما يدفعني إلى الهجرة بأسرع وقت». في المقابل، هناك من لا يدفعهم سبب معين إلى الهجرة سوى الوضع العام الضاغط أمنياً ومعيشياً. يقول فادي بشارة، المقيم في السويد منذ نحو عامين: «منذ أن بدأت الأوضاع تسوء في البلاد، أسرعت بالسفر لكي استغل الوقت بأقصى ما يمكن. الاستقرار في بلد أجنبي يتطلب الكثير من الإجراءات»، فـ«الحصول على الإقامة استغرق تسعة شهور. تعلّم اللغة السويدية استغرق وقتاً مماثلاً. إجراءات لمّ الشمل (إجراء قانوني يستدعي بموجبه المهاجر أفراد أسرته إلى السويد) لم تنتهِ بعد، إضافة إلى رغبتي في إكمال الدراسات العليا هنا».
ليس الشباب وحدهم من يسعى إلى السفر، إذ يجري إشراك الأطفال بنحو كثيف في تلك العملية، وذلك لأن الوضع القانوني للأطفال في السويد هو الأفضل على الإطلاق، «فإجراءات لمّ الشمل للطفل تتضمن استدعاء والديه وإخوته كلهم إلى السويد، وتوفير مستلزمات معيشتهم». ولا تخلو جموع المهاجرين من الشيوخ أيضاً، فقد تداولت صفحات التواصل الاجتماعي أخيراً خبراً مفاده «أن السلطات اليونانية أوقفت أكبر مهاجرة سورية من مواليد 1907».
تتراوح كلفة الوصول إلى السويد بين 3 و10 آلاف دولار، ومثل هذه المبالغ يصعب تأمينها، بسبب فارق العملة بين الليرة السورية والدولار، الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى بيع ما يملكون من عقارات وأراض، أو اقتراض المبلغ من أشخاص ميسورين. وكلما انخفضت كلفة الخروج ازدادت مخاطر السفر. يوضح أحد المطلعين على الأمر أنّه «بكلفة ما بين 3 و5 آلاف دولار يكون السفر براً، عبر تركيا إلى اليونان ثم إيطاليا وألمانيا وأخيراً السويد. في هذه الحال يزداد خطر إلقاء القبض على المهاجر غير الشرعي، وبالأخص من البوليس اليوناني الذي كثيراً ما يواجه المهاجرين بالضرب المبرح ويعيدهم إلى تركيا». ومن الممكن أن تجري الهجرة عبر البحر، «يتوجّه المهاجرون إلى مصر، في غالب الأحيان، ومنها يقوم المراكبية المصريون بنقلهم بقوارب صغيرة الحجم إلى الشواطئ الإيطالية». والخطورة هنا تكمن في «إمكانية الغرق بنحو كبير، لكون المراكب صغيرة الحجم وعدد المهاجرين كبيراً». يروي ع. سليماني الذي حاول السفر بهذه الطريق وفشل، لـ«الأخبار»: «قام مراكبية مصريون بنقلنا في زورق صغير إلى قارب يبلغ طوله 17 متراً، حيث أصبح عددنا الكلي في القارب 107 أشخاص. الانتقال من الزورق إلى القارب كان يتم قفزاً، البعض كان يسقط في البحر ليقوم الآخرون بسحبه إلى القارب». يصف سليماني تلك المحاولة بالمأسوية: «كان بيننا أطفال ونساء، والعملية كانت تجري في منتصف الليل». ولم تنجح المحاولة «فقد ظهر في عرض البحر زورق يرسل الضوء في كل الاتجاهات، تبين أنه تابع للجيش المصري، أوقف عملية تهريب المهاجرين، وألقى القبض على المراكبية». ومن الممكن أن تجري عملية التهريب عبر الجو، إلا أن هذه الطريقة الأكثر كلفة، لكونها آمنة ومضمونة بنحو أكبر. «الأمر ببساطة يحتاج إلى تزوير بعض الوثائق وإلى بعض العلاقات بين المهربين ومسؤولي المطارات في العديد من البلدان».
استقبلت السويد نحو 450 ألف مهاجر عراقي منذ الاحتلال الأميركي للعراق 2003. ومع انفجار الأزمة في سوريا، بدأت باستقبال المهاجرين السوريين (نحو 10 آلاف) والفلسطينيين بدرجة أكبر (حوالى 25 ألفاً)، بحسب المحامي سامر فليحان، المتابع لوضع المهاجرين إلى السويد. يروي فليحان التشريعات السويدية «تنصّ على استقبال أي لاجئ يصل إلى أراضي مملكة السويد بطريقة غير شرعية، وتتولّى إعالته وتقديم راتب شهري له. أما من يصل بطريقة شرعية فلا يحصل على الإقامة». ويشرح: «هذا القانون يبدو إنسانياً من حيث الشكل. ولكن الوصول إلى ذلك البلد البعيد كلّف العشرات من الأشخاص حياتهم، غرقاً أو على أيدي عصابات المهربين. هم يقولون للناس: جازفوا بحياتكم لكي تصلوا إلى النعيم».