رام الله | كان الفلسطينيون والإسرائيليون يحبسون أنفاسهم مع اقتراب الهدنة الثانية من لفظ أنفاسها الأخيرة، إلى أن أعلن الوفد الفلسطيني موافقته على تمديد الهدنة خمسة أيام بدلاً من ثلاثة، بعدما أعلن الإسرائيليون قبل ذلك بساعات الموافقة على التمديد.
جاء ذلك بعد حديث فلسطيني عن رفض التمديد، وهذا كان يشي بتغييرات لدى الوفد أراد أن يناقشها مع قياداته أو جراء ضغط مصري مباشر ودولي أيضاً. كذلك جرى التمديد لخمسة أيام، على غير العادة (ثلاثة أيام)، تلبية للرغبة المصرية ـــ الإسرائيلية في استثناء إجازة الجمعة والسبت من أيام المفاوضات. وهنا تسجل عدة ملاحظات على هذه الهدنة:
الأولى أن الوفد الفلسطيني أظهر تماسكاً لم يألفه الشارع الفلسطيني من قبل.
وإن كانت هناك خلافات بين فصائل الوفد، إلا أنها لم تظهر على السطح. الأهم من ذلك أن الوفد بدا ندّاً عنيداً للمفاوض الإسرائيلي، وكان ينطلق من موقع قوة.
وفي وجه الانتقادات لقبول تمديد التهدئة، أظهرت قيادات الوفد أن الهدنة ليست الخيار الوحيد، وأن خيار استئناف القتال ممكن جداً. وتعززت هذه الرسالة من شريط فيديو بثته قناة «الأقصى» التابعة لحركة «حماس» يظهر مقاومين يصنّعون صواريخ، وفي الخلفية شاشة تلفزيون تبث تقريراً حديثاً لقناة «الجزيرة» عن الأنفاق. رغم ذلك، يبقى الخوف من أن الوفد الذي بدا موحداً في القاهرة ليس له عنوان واحد خارجها، إذ ذهب جزء منه إلى رام الله وآخر إلى الدوحة وثالث الى بيروت، لذا سيكون من المهم ألا تنعكس حسابات أي من العواصم الثلاث على موقف الوفد الذي عاد أمس إلى القاهرة.
في المقابل، هذه الحال ليست موجودة في الشارع الإسرائيلي، وهذا يقودنا إلى الملاحظة الثانية وهي المأزق الذي يمر به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. الدلالة الكبرى كانت أن نتنياهو لم يطلع وزراء حكومته والرأي العام على مجريات المفاوضات منذ عدة أيام سبقت التمديد، فتذمر وزراء إسرائيليون من أنهم كانوا يتابعون بيانات «حماس» وإعلامها لمعرفة آخر تطورات المفاوضات. بل كان الفلسطينيون أكثر اطلاعاً من الإسرائيليين على ما يجري في القاهرة، لكن لا يمكن القول إن كل ما يطرح معروف لهم.
وظهر أن من الصعب على نتنياهو تبرير قراره بالموافقة على الهدنة، وسيكون الأصعب عليه إقناعهم بالموافقة على جزء من مطالب المقاومة المتعلقة بالحصار والمعابر والميناء، الأمر الذي قد يقوده إلى عرض الأمر على الحكومة الموسعة أو الكنيست، ويكون بذلك قد سرّع محاسبته.
في الملاحظة الثالثة أن الولايات المتحدة أعلنت دعمها المبادرة المصرية بإعلان الهدنة ومواصلة التفاوض، الأمر الذي يعني تراجع ثقة واشنطن بنتنياهو وحكومته، وتصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في شأن غزة، تطرقت إلى إعادة إعمارها، الأمر الذي يُلمح إلى رغبة واشنطن في الحديث عن انتهاء الحرب والتطلع إلى ما بعد ذلك.
يعزز هذا الافتراض إقدام أوباما على وقف إرسال دفعة من الصواريخ إلى إسرائيل، الأمر الذي سيغلق المزيد من أبواب الحرب في وجه نتنياهو وأعضاء حكومته المتطرفين، كذلك جرى حديث إعلامي عن أن الكونغرس قدّم دعماً للاحتلال من دون أخذ موافقة البيت الأبيض.
الملاحظة الرابعة تتعلق بعودة مصر إلى واجهة صنع القرار في الملف الفلسطيني، واستعادة دورها التقليدي فيه. فبدت كأنها هي التي أنقذت انهيار التهدئة بعرضها هدنة مدتها خمسة أيام في الساعات الأخيرة من الهدنة السابقة.
هذه «المكانة المستَرجَعة» لن تتوقف عند رعاية المفاوضات غير المباشرة فقط، بل تتعداها إلى ما بعد ذلك، وتحديداً إلى استضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي أعلن عزام الأحمد، رئيس الوفد الفلسطيني، أمس نقله من النروج إلى مصر، ونقلت مصادر فلسطينية أخرى أن المدينة المقرر عقد المؤتمر فيها هي شرم الشيخ.
كذلك ثبّتت مصر قاعدة لدى الفلسطينيين، وهي استحالة تحقيق أي حل يتعلق بغزة من بوابة أخرى غير القاهرة. وفي هذا أيضاً رسالة إلى الداخل المصري مفادها أنّ من تبقّى من «الإخوان المسلمين» في العالم «لا يجرؤون على التمرد على مكانة مصر».
الملاحظة الخامسة والأخيرة أن الأطراف الإقليمية المؤثرة في القضية الفلسطينية كقطر وتركيا، اللتين طُرحتا لقيادة مبادرة تهدئة في بداية الحرب، تلتزمان الصمت الحذِر الآن. فقد تقلص الدور الذي يمكن أن تؤدياه كثيراً عندما قررت «حماس» أن تذهب إلى القاهرة ضمن وفد فلسطيني بكامل أطيافه السياسية. لكنهما حتماً ستحظيان لاحقاً بفرصة للعودة إلى الأضواء التي خطفتها منهما مصر، عند الحديث عن إعادة الإعمار.