«من الذي قتل؟... إنه بائع الورد... أحمد أبو عوكل»، كيف يصدق الشاب خالد السباح النبأ والشهيد من أعز أصدقائه. «كان قد عاهدني على المؤاخاة حتى انقضاء الأجل. نعم لقد انقضى الأجل، لكن لم تنقض الأخوة»، هكذا يحدث خالد نفسه. يقول السباح الذي يعمل مصوراً صحافياً وغطى أحداث الحرب منذ بدايتها: «كان أحمد شاباً يافعاً يحلم بالمستقبل... في الصباح يذهب إلى جامعة الأقصى لإكمال دراسة البكالوريوس في الصحافة والإعلام، ومساء يسهر معنا»، مضيفاً: «بين الوقتين يبذل جهده في حقل الأزهار الذي يملكه والده».

وقضى أبو عوكل ابن الـ22 عاماً صباح التاسع من آب الجاري، مع اثنين آخرين إثر قصف عشوائي طاول منطقة سكنه في محافظة رفح جنوب قطاع غزة. اليوم، يجلس على أطلال منزله والده الطاعن في السن وشقيقه، فيما قضت والدته هي الأخرى في قصف طاول منزلها برفقة زوجة ابنها وحفيديها قبله بنحو أسبوع. عندما علم بنبأ استشهادهم، هرع إلى المستشفى وأخذ ينتحب قرب جثثهم قائلاً: «اللهم ألحقني بهم». هذه الصورة التقطها أصدقاء له على هواتفهم المحمولة، ويعلّقون بأن أبواب السماء كانت مفتوحة. فقد شاء القدر أن يلحق أحمد بركب الأسرة ليزيد عدد شهدائها إلى خمسة.

أربعة أفراد من
أسرة الشهيد أحمد
كانوا قد قضوا قبله
بنحو أسبوع
ولما أذيع النبأ، تدافع بعض الأصدقاء إلى المستشفى مصعوقين، كما قال السباح، لأن ذلك الشاب الذي واسوه قبل أيام بفقدان أسرته لحق بقافلة الشهداء في غزة الذين يزيد عددهم على 2016 شهيداً. في بيت صديقه السباح، تنكس باقة من الورد رؤوسها الذابلة، لكن خالد يرفض إتلافها، فهي الذكرى الأخيرة التي كان قد أهداها له أبو عوكل قبل رحيله بأيام. وكانت أسرة أبو عوكل الوحيدة في قطاع غزة التي تمتلك محاصيل ورد وأزهار تصدر دولياً (أوروبا)، بما في ذلك إلى الأسواق الإسرائيلية، وكان تصدير الزهور يمنح استثناءً إسرائيلياً خلال الحصار، إضافة إلى الفراولة والتوت الأرضي. كذلك كان الشهيد كان يعمل مشرفاً على «شبكة صفد الإعلامية» عبر شبكة الإنترنت، فضلاً عن أنه كان «يدير مدونة شخصية يتحدث فيها عن الواقع الفلسطيني المرير» كما يقول شقيقه.
الشهيد يفيض بتأثره بالشهداء وعذابات أسرهم. كتب أحمد في إحدى تدويناته: «نذرف الدمع ونحن نرى الشبل يكبُر في كنف أمه، يقول: أين أبي؟ فنسمع تنهيدة طويلة يتبعها بكاء ونحيب، يكسر الصمت فتقول: أبوك يبني شهيد».
ويقول رفاق الشهيد أبو عوكل إنه كان يتمتع بحس مرهف في الكتابة، وكان كان يطمح إلى العمل في مجال الإعلام وفق دراسته الجامعية التي كاد يتممها لو لم تطاوله آلة الموت الإسرائيلية. بذلك طوى الاحتلال حياة شاب كان يرى السلام في باقة ورد بيضاء زاهية يصدرها إلى العالم، وقلم يلخص معاناة شعبه، لكن جنود العدو «أهدوه» صاروخاً أسود حوله إلى أشلاء.