أربيل | حين ترك عناصر البشمركة الكردية مواقعهم في بلدة سنجار، في ٣ آب الجاري، وانسحبوا من مناطق سهل نينوى، صار سكان الأقليات من المسيحيين والأيزيديين والشبك، مكشوفين من دون حماية أمام مسلحي «الدولة الإسلامية». مئات العائلات الأيزيدية اختارت الفرار إلى سوريا عبر طريق مؤمّن يمر في منطقة فيش خابور، فيما اختار آخرون الفرار إلى الجبل الذي يقع جنوب سنجار في اتجاه الموصل، وهو بعيد عن حدود إقليم كردستان، لذلك قال مسؤولون في البشمركة إن من الصعب الوصول إليهم.
في هذا الوقت، احتل مسلحو «الدولة» نحو ٥٠ قرية في سهل نينوى يقطنها السكان الشبك، الذين أُعدم منهم ليلة ٨ آب نحو ١١٧ شخصاً، بينما أسعف الحظ السكان المسيحيين للهرب إلى أربيل، حيث بلدة عينكاوه المسيحية، لكنهم لم يجدوا سوى الكنائس والأرصفة ليبيتوا فيها.

أيزيدون انتظروا الموت في الجبل

لا يُعرف على وجه التحديد عدد العائلات الأيزيدية في جبل سنجار، لكن شباناً تمكنوا من الهرب أخيراً، يذكرون أرقاماً متناقضة، بعضهم يتحدث عن مئات العائلات.
يقول خيري جدو، وهو من الأيزيديين في سنجار، إن المحاصرين خُدعوا بعد ثلاثة أيام من احتلال «الدولة» لبلدتهم، وكان ثمن الخديعة مقتل العشرات من الشباب.

البنتاغون تراجع عن تنفيذ عملية لإجلاء من تبقى في جبل سنجار

ويضيف، «صعد إلينا عدد من الشبان الأيزيديين الذين كانوا يحرسون الطرق الوعرة المؤدية إلى قمة الجبل، وقالوا إن أخباراً تتوالى عن عودة البشمركة، لذلك قرر المحاصرون العودة إلى المدينة. هكذا كان الأمر، استقل العشرات نحو ٩ عربات للعودة، لكنهم لم يجدوا البشمركة، بل مسلحي الدولة الإسلامية الذين أسروهم واقتادوهم إلى مكان بعيد».
ويضيف لـ«الأخبار»: «لقد نجت سيدة واحدة من مجزرة جماعية، عمرها ٩٥ عاماً. قالت: طرحوهم أرضاً على بطونهم مكتوفي الأيدي، وانهال الرصاص على رؤوسهم».
الأيزيدية المسنة، الشاهدة على مذبحة أبناء ديانتها، كانت مجرد «رسالة» بعثها المسلحون للمحاصَرين في الجبل، وكانت تلك كافية ليقرر الجميع البقاء حيث هم، وتحمّل مشقة العطش والجوع. يقول جدو، «لقد كنا ننتظر أن يموت أحدهم عطشاً لنقوم بدفنه».
ويقول محسن خدر، وهو شاب أيزيدي عاد للتو من سنجار إلى أربيل بمساعدة طائرة تابعة للجيش العراقي، إن «عشرات النساء والأطفال قضوا جوعاً وعطشاً». ويضيف: «كنا نبحث عن أخاديد في الجبل تقينا الشمس ولكي نتمكن من حفظ المياه التي بحوزتنا من الجفاف». ويضيف: «كان المسلحون يبعدون عن الجبل نحو ١٠٠ متر حيث مركز المدينة، لكنهم لا يستطيعون صعود الجبل بسبب عدم معرفتهم بالطرق المؤدية إليه، فجميعهم كما يبدو ليسوا من السكان المحليين». ويقول خدر: «لقد حمتنا الطبيعة الجبلية منهم، لكن العطش قتل العديد منا في الجبل».

كيف غادرت البشمركة؟

هذا هو السؤال الأكثر إثارة للجدل في الأوساط السياسية الكردستانية والعراقية. تلك الليلة، ترك عناصر القوات الكردية مواقعهم وتراجعوا إلى مواقع تعرف بـ«خط ٣٦»، وهي حدود إقليم كردستان قبل ٢٠٠٣.
وسرعان ما قرر رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني معاقبة القيادات العسكرية والسياسية في المناطق المتنازع عليها في الموصل والمحاذية لأربيل، بما فيها سنجار. وأمر بفتح تحقيق في حادثة الانسحاب، لم تُعرف نتائجه حتى اليوم.
لكن ثمة مصادر سياسية تتحدث عن خلافات سياسية كردية جعلت الإقليم يبدو كأنه تخلى عن الأقليات، إلا أن ضابطاً رفيعاً نفى لـ«الأخبار» هذه الفرضية، وقال: «البشمركة لا تملك ما تملكه الدولة الإسلامية، نحن في مواجهة غير متكافئة، ونحتاج إلى تسليح مختلف تماماً عن ذلك الذي يُستعمل في المعارك التقليدية».
ويقول القيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني شوان طه: «كيف لا تتفوق الدولة الإسلامية، وقد استولت على دبابات أبرامز ومدفعية وعتاد ومدرعات وناقلات جنود، لثلاث فرق عسكرية كانت موجودة في الموصل قبل سقوطها».
لكن هذا لم يكن ليغير من الكارثة الإنسانية في جبل سنجار، وكانت القصص تتوالى عن حصار يستمر طويلاً... يقول جدو: «حين غادر البشمركة، طلبنا منهم سلاحاً وعتاداً، لنتمكن من حماية عائلاتنا».
من جهته، يقول أنور حسين، أحد الشباب الأيزيديين الذين تمكنوا من مغادرة الجبل إلى مدينة دهوك: «كنا نشاهد دوريات لمسلحي الدولة الإسلامية تلفّ الجبل بحثاً عن طريق للصعود، لكنهم فضلوا أخيراً البقاء في الأسفل، لأنهم عرفوا أننا سنموت جوعاً أو عطشاً في نهاية المطاف».
المساعدات وسوء حظ طائرة فيان
توالت المساعدات المنقولة جواً إلى جبل سنجار، بينما كان مسلحون أكراد يؤمّنون طريقاً لنقل وجبات من المحاصرين إلى مناطق آمنة.
ويقول جدو لـ«الأخبار» إنه «بعد نحو ١٠ أيام، بدأنا نسمع أخباراً عن ضربات أميركية لمواقع مسلحي الدولة الإسلامية، ولاحقاً ارتفع معدل الإجلاء». ويضيف، «القسم الأكبر من المحاصرين تمكنوا من الوصول إلى مناطق آمنة، باستثناء المحاصرين في سنجار، فالوضع لا يزال خطراً». ووصلت طائرة تقلّ النائبة فيان دخيل، الكردية الأيزيدية، تنقل مساعدات عاجلة للمحاصرين، ولنقل عدد منهم، لكن يبدو أن عدد الركاب كان كبيراً للغاية، ما أدى إلى فقدان المروحية لتوازنها، كما يقول مصدر في سلاح الجو العراقي، ما أدى إلى سقوط المروحية وإصابة فيان دخيل بكسور متعددة.

الأميركيون يتراجعون

تقول مصادر عراقية لـ«الأخبار» إن وزارة الدفاع الأميركية تراجعت عن تنفيذ عملية لإجلاء من تبقى في جبل سنجار، لأن عدد المحاصرين فيه «قليل، وأقل مما كان متوقعاً».
وفي الحقيقة، لا وجود لإحصاء دقيق لعدد الفارين إلى الجبل، فيما تقول مصادر صحافية عراقية إن تقارير الأمم المتحدة بالغت عندما قدّرتهم بنحو 200 ألف شخص، لكن بيانات «قديمة» تشير إلى أن مجموع سكان القضاء يبلغ 250 ألف نسمة غالبيتهم من الأيزيديين.