أزمة في العلاقات بين أميركا وإسرائيل؟ هذا هو السؤال الذي شغل أمس وسائل الإعلام العبرية، بعد كشف صحيفة «وول ستريت جورنال»، عن تدهور غير مسبوق في العلاقات بين الجانبين. الأميركيون اتهموا الحكومة الإسرائيلية ورئيسها وطاقمه الأمني بأنهم «متهورون وغير جديرين بالثقة»، وأنهم يمنعون المشاركة الأميركية في محادثات القاهرة لوقف إطلاق النار في غزة.
تبعاً لذلك، أمر الأميركيون بتجميد شحنة صواريخ للآباتشي، التي تشارك في القتال الدائر في غزة.هل هناك فعلاً أزمة في العلاقات بين الجانبين؟ لا شك أن ما كشفت عنه الصحيفة الأميركية صحيح. بل وأقرّته تل أبيب لاحقاً. يوجد خلاف في الرأي، هذا مؤكد، كذلك يوجد تباين في وجهات النظر. لكن لا توجد أزمة، بالمعنى الحرفي للكلمة. في مقابل ذلك، لا يتعلق الأمر «بتوزيع أدوار» بحسب نظرية المؤامرة، وهذا أيضاً مؤكد. كلا الرأيين، الأزمة وتوزيع الأدوار، رأي متطرف، وهما غير قادرين على توصيف «واقع التردي» في العلاقات بين الجانبين.

المكالمة الأخيرة بين أوباما ونتنياهو اتصفت بـ«لهجة هجومية»


مع ذلك، الخلاف قائم. لكنه «خلاف بين أفرد العائلة الواحدة»، ويبقى مسقوفاً بحدود المصلحة المشتركة المشبعة حتى العنق بالتوافق قياساً بالخلاف. لا إسرائيل بإمكانها أن تتخلى عن أميركا، ولا أميركا بإمكانها أن تتخلى عن إسرائيل. وكما يقول خبراء أميركيون عن الخلافات التي تظهر بين الحين والآخر بين الجانبين: «يجب على أميركا أن تعين إسرائيل على نفسها». إذاً الخلاف على مصلحة إسرائيل، وليس ضد إسرائيل.
على هذه الخلفية وهذه الأسباب، يمكن ويجب فهم ما ورد في الصحيفة الأميركية، من مواقف وأفعال وإجراءات ضد إسرائيل، وهي بمجملها لا تصلح لكي تكون بداية بيّنة افتراق بين الجانبين.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال»، قد كشفت أن المكالمة الهاتفية الأخيرة، قبل يومين، بين الرئيس أميركي باراك أوباما وبنيامين نتنياهو، كانت صعبة واتصفت بـ«لهجة هجومية قتالية» وأظهرت توتراً كبيراً في العلاقات بشأن غزة. وبحسب مصادر في الإدارة الأميركية، فإن «نتنياهو يمنع مشاركة أميركية فعالة في مفاوضات القاهرة، ويطلب في الوقت نفسه ضمانات أمنية أميركية مقابل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس». وأقرت نفس المصادر بأن مهمة الممثلين الأميركيين إلى مفاوضات القاهرة، تقتصر على المراقبة فقط.
وأضافت الصحيفة أن البيت الأبيض أصدر تعليماته إلى البنتاغون بعدم إمداد إسرائيل بصواريخ تجهَّز مروحيات هجومية بها. وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد صدّقت على طلب إسرائيل بإمدادها بهذه الصورايخ، إلا أن البيت الأبيض قرر تعليق الصفقة، لأنها تأتي على خلفية العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة، وأنها تجري من غير علمه.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية قولهم إن إسرائيل حاولت تنظيم شحنة أسلحة للجيش الإسرائيلي في القطاع، من دون إحاطة البيت الأبيض علماً بذلك، مشيرين إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمقربين منه، يتصرفون بصورة متهورة، ولا يستحقون الثقة من جانب الإدارة الأميركية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين تأكديهم أن تعاون وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مع قطر وتركيا على صوغ اتفاق لوقف إطلاق نار، كان خطوة أثارت غضب تل أبيب، في حين أن كيري شعر بالاستياء من أن مسودة وقف إطلاق النار التي اقترحها، والتي كانت مخصصة لتعرض على نتنياهو فقط، طُرحت للتصويت في المجلس الوزاري المصغر، وسربت إلى الإعلام، الأمر الذي زاد من حدة التوتر في علاقته مع القيادة الإسرائيلية.
وأكد مسؤول إسرائيلي، أن التوتر أصبح شخصياً جداً، بما يشير إلى واقع «انعدام ثقة وتصادم في وجهات النظر حول الشرق الاوسط». مع ذلك، أكد مسؤولون إسرائيليون آخرون، أن «نتنياهو واثق من أن مؤيديه في الكونغرس سيدعمون إسرائيل، وهو لا يبدي قلقاً من أن يكون للسجال مع أوباما آثار سلبية كبيرة».
وعقب مسؤولون إسرائيليون على ما ورد في الصحيفة الأميركية بالقول إن إدارة الرئيس أوباما ضعيفة وتتصرف بسذاجة في الوقت الذي يبدي فيه الكونغرس دعماً حقيقياً لإسرائيل، لافتين إلى أن الحديث عن كون الوفد الأميركي في القاهرة مجرد وفد مراقبة لا أكثر، هو حديث صحيح، إذ إن دوره يقتصر فقط على المراقبة وليس بوسعه التدخل في المفاوضات.وكانت مصادر سياسية في تل أبيب قد أقرّت لموقع صحيفة «معاريف» ما ورد في التقرير الأميركي، مشيرةً إلى «تعطيل» شحنة صواريخ تستخدمها طائرات الآباتشي كانت مرسلة إلى الجيش الإسرائيلي. وبحسب المصادر، طلبت تل أبيب من واشنطن، ونتيجة للنقص في الذخائر، فتح مخازن السلاح التابعة للجيش الأميركي الموجودة في إسرائيل، وهي مخازن كبرت كثيراً في عهد أوباما. لكن بعد التصديق على هذا الطلب، عاد البيت الأبيض وجمد القرار، في محاولة منه للضغط على إسرائيل من أجل تخفيف حدة عمليتها العسكرية في غزة.بالإضافة إلى ذلك، تضيف نفس المصادر، وخلافاً للانطباع الذي ولدته الإدارة الأميركية في الأسبوعين الأخيرين، فإن الرئيس الأميركي عطل التوقيع على المساعدة المالية الخاصة لمنظومة القبة الحديدية، وهذا أيضاً بسبب انتقاداته لشكل تصرفات إسرائيل وعملياتها في غزة.