غزة | عادت القيادات التي شاركت في الوفد الفلسطيني للتفاوض على وقف الحرب في القاهرة كلٌّ إلى حيث قيادته السياسية في رام الله وبيروت والدوحة، كما عاد أعضاء وفد حركة «حماس» إلى غزة، على أن يعودوا جميعاً إلى القاهرة السبت المقبل لمناقشة الورقة التي خرجت بها المخابرات المصرية، فيما يحضر الجانب الإسرائيلي الأحد.
رغم ذلك، لن تكون العودة إلى خيار الحرب واردة أو سهلة، بل ربما لم تصبح ضمن الخيارات التي تلوّح بها «حماس» في هذه المرحلة، خاصة أن قادتها يفضّلون إتاحة الفرصة للخيارات السياسية. وتراوحت الخيارات المتاحة بين تصريحات متعددة لأعضاء الوفد الفلسطيني، أقصاها في التفاؤل عبّر عنه رئيس الوفد، عزام الأحمد، الذي أعطى انطباعاً بأن الخطوط العريضة جرى رسمها ولم يبق سوى التفاصيل، فيما قال قادة من «حماس» إن ما اتفق عليه هو تمديد التهدئة فقط، «لكن المباحثات تتقدم». كذلك لم يخفوا توقعاتهم بأن خمسة أيام تكفي للوصول إلى اتفاق وشيك.
وتكشف مصادر من الوفد الفلسطيني لـ«الأخبار» أن التمديد لـ120 ساعة بدلاً من 72 كان لمراعاة أيام الإجازة لدى الطرف المصري والجانب الإسرائيلي، وأيضاً ستكون فرصة لاستكمال المشاورات بين أعضاء الوفد ومرجعياتهم السياسية.
ورجّح عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، موسى أبو مرزوق، الوصول إلى اتفاق، «ولا سيما أن الخلاف على صيغ وألفاظ تعنى ببعض القضايا الفرعية، وهي أمور قد تتجاوزها أجواء الحوار إن تخلّى الاحتلال عن تعنّته». وأكد أن الوفد لم يستثن أياً من مطالبه، خاصة الميناء والمطار، «لكن المتطلبات لإعادة بنائهما بحاجة إلى وقت طويل».
وقطع أبو مرزوق الشك بشأن التعامل مع عواصم أخرى غير القاهرة بالقول لـ«الأخبار» إن الدور المصري لا يمكن الاستغناء عنه في أي حال، خاصة بعد هذه الأشواط من المشاورات، لكنه لم ينف الضغوط على القاهرة بفعل الظروف السياسية المحيطة بها، كذلك أشار إلى وجود تفاهمات بشأن الاعتراف بموظفي غزة «خاصة أنه لم يعد هناك أي فيتو دولي أو إسرائيلي على تحويل الرواتب».
في السياق، توقع نائب الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، المشارك في الوفد، زياد النخالة، التوقيع على اتفاق وشيك يؤدي إلى وقف لإطلاق النار وإنهاء تام للحصار والعدوان، «لكن موضوع الحق في الميناء والمطار سيبحث بعد شهر من توقيع الاتفاق». ولم ينف النخالة وجود عراقيل إسرائيلية في بعض الموضوعات، مشيراً إلى أن تل أبيب تحفظت على إدخال مواد البناء وفتح المعابر بشرط أن تتسلمها وتشرف على إدارتها السلطة الفلسطينية».
وعلمت «الأخبار» من قيادي في الوفد، لم يرغب في كشف اسمه، أنهم لم يبدوا موافقة نهائية على تأجيل الحوار بشأن قضايا المعبر والميناء وتبادل الأسرى بعد شهر، لكنه توقع قبول ذلك في حال وجود ضمانة دولية وإقليمية حقيقية لتنفيذه. وأشار إلى مقترح يقضي بوجود قوات دولية وأوروبية تشرف على الممر المائي، «كما سيكون الممر تحت إشراف وإدارة حكومة التوافق». وأضاف: «الوفد طلب السماح باستيراد البضائع عبر المعابر الإسرائيلية بالنسبة نفسها التي تدخل إلى الضفة المحتلة، والسماح للفلسطينيين باختيار نوع المواد التي يحتاجون إليها». وقال إن الوفد سيقدم رداً مكتوباً على المقترح المصري، «وسيعود إلى القاهرة ليتسلم رداً مكتوباً من الوفد الإسرائيلي أيضاً».
أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خلال اجتماعه مع رؤوساء سلطات محلية في المناطق القريبة من الشريط الحدودي مع القطاع، أنه في حال «لم تنضج في مصر تسوية سياسية، وإذا دعت الحاجة، فإن العملية العسكرية ستستمر». وفي محاولة لطمأنة سكان جنوب إسرائيل، شدد نتنياهو على أنه «لن يسمح باستمرار «تقطير» الصواريخ». وأضاف أيضاً أنه «يهمه جداً الدعم والمناعة لسكان الجنوب». مواقف نتنياهو أتت قبل جلسة المجلس الوزاري المصغر بالأمس، وأيضاً قبل بدء مظاهرة تل أبيب على خلفية دعم سكان جنوب إسرائيل.
وكان نحو عشر آلاف شخص تجمعوا في ساحة رابين، كتعبير عن رفضهم للواقع القائم في جنوب إسرائيل، بفعل المواجهة القائمة مع المقاومة في قطاع غزة. ومن أبرز الشعارات التي تم رفعها، «حكم غلاف غزة كحكم تل أبيب والقدس». إضافة إلى الدعوة لاحتلال القطاع. وفي هذا السياق، أكد رئيس بلدية سديروت، على رفض «قبول هذا الوضع الذي لا يحتمل»، مشيراً إلى أن ما يريده الناس في تلك المناطق «العيش بهدوء وطمأنينة». كما تم انتقاد تسمية عمليات اطلاق الصواريخ بـ «التقطير» كما صدر على لسان نتنياهو.
في الجانب الآخر، سادت الجمهور الإسرائيلي حالة من الضياع والإرباك إزاء مآل التطورات الميدانية والسياسية، وذلك بعد انتهاء موعد الهدنة الأخيرة. المفارقة أن الجمهور وعدداً من الوزراء علموا بتمديد الهدنة من مواقف القيادات الفلسطينية، مقابل صمت رسمي في تل أبيب. أما الأكثر إرباكاً، أنه رغم الإعلان عن تمديد الهدنة، أمضى سكان المستوطنات في جنوب إسرائيل الليل في الملاجئ على خلفية إطلاق الصواريخ.
وحتى ساعة متأخرة، رفض ديوان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التطرق إلى وقف النار، ولم يوضح الأمر حتى لأعضاء المجلس الوزاري المصغر الذين اتصلوا للاستفسار. ونقلت تقارير إعلامية انتقادات عدد من أعضاء المجلس، لأنهم لم يطلعوا على ما يجري في القاهرة، وأكدوا أنهم لم يتلقّوا أي معلومات، كذلك فإن نتنياهو لم يطلع الحكومة على التطورات، ولا يفعل ذلك إلا بمحادثات مع رؤساء الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي.
ووصف مصدر سياسي إسرائيلي رفيع، لموقع «واللا»، هذا الواقع بأنه «قضية غير معقولة». وقال أيضاً: «في الوقت الذي لم يكن فيه رئيس الحكومة ووزير الجيش ملزمين بالحصول على مصادقة المجلس الوزاري لتمديد وقف النار، كان من المناسب إطلاعنا على القرار فور اتخاذه».
كذلك، عبّر عدد من الوزراء، وفق صحيفة «إسرائيل اليوم»، عن الاحتجاج، ولمّحوا إلى أنه «بينما يجري التعتيم في إسرائيل، يتحدث الطرف الفلسطيني عن تقديم تل أبيب تنازلات في القاهرة، كتسهيل التنقل عبر المعابر وإطلاق أسرى وتحويل أموال إلى نشطاء حماس».
ورغم نفي عزام الأحمد أمس وجود مقترح مصري، أعادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشر المقترح الذي يأتي على مرحلتين، الأولى تقتصر على المعابر وتقليص الحزام الأمني بإشراف السلطة الفلسطينية ووجودها، وفي الثانية النقاش حول الميناء والمطار مقابل تجريد غزة من السلاح وموضوع الأسرى الفلسطينيين والجنديين الإسرائيليين المفقودين.
على خط مواز، يواصل القادة العسكريون احتواء مفاعيل الأخطاء التي وقعوا فيها، عندما دعوا في المرة الماضية المستوطنين إلى العودة إلى منازلهم. في هذا الإطار، أكد رئيس أركان الجيش، بني غانتس، أن المؤسسة العسكرية في حالة استعداد لمواجهة المقاومة في غزة. أيضاً، اعترف قائد فرقة غزة، العميد ميكي ادلشتاين، بأن دعوة المستوطنين السابقة استندت إلى معلومات «معيبة» واستخبارات لم تكن متينة بما فيه الكفاية.