ما كان في السابق مجرد تلميحات عن شرخ حاد في موقف الديموقراطيين من سياسة الرئيس باراك أوباما حيال سوريا، بات اليوم واقعاً مرّاً يرفض أوباما أن يستسلم له. في الأيام الماضية شهد المتابعون سجالاً غير مباشر بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون على صفحات الإعلام. دافع أوباما في مقابلة في «ذي نيويورك تايمز» عن صوابية موقفه من عدم تسليح المعارضة السورية منذ البداية، فردّت كلينتون بعد يومين في مجلة «ذي أتلانتك» بأن تلك سياسة «فاشلة ساهمت في صعود المجموعات الإسلامية المتطرفة وخصوصاً «داعش».

طبعاً، وجد الطرفان مؤيدين لهما ومعارضين، وبينما تسلّح داعمو أوباما بحجّة أن «هيلاري تسعى للتمهيد لحملتها الرئاسية» كان لهيلاري داعموها من داخل مجلس النواب والشيوخ.
لكن الجدال الحاصل منذ أيام في الإعلام لم يكن ابن اللحظة، والمواجهة الحامية تعود الى أواخر تموز الماضي.
ففي ٣١ تموز، جمع الرئيس الأميركي عدداً من المشرّعين في لقاء في البيت الأبيض. والتسريبات من الاجتماع تقول إن الحاضرين شهدوا مشادّة كلامية بين أوباما والسيناتور الجمهوري بوب كوركر، ولوحظ أن الرئيس «اضطرب» عندما وجّه اليه بعض الحاضرين انتقادات في ما خصّ أدائه خلال الأزمة السورية. كوركر قدّم جردة طويلة حيال سياسة أوباما الخارجية، حسب المعلومات «الحصرية» التي حصل عليها موقع «ذي دايلي بيست» من أحد المشرّعين الذين حضروا ذلك الاجتماع. لكن، يضيف مصدر «بيست»، عندما وصل ردّ الرئيس الى نقطة الأزمة السورية، قال إن «الكلام عن أن التسليح المبكر للمعارضة كان ليأتي بنتائج أفضل هو أكثر من هراء»! (وتحديداً استخدم أوباما عبارة horseshit التي تعدّ كلمة سوقية في القاموس الأميركي). فوجئ الحاضرون بالحدّة التي قابل بها أوباما كل انتقاد حول سياسته.
لكن كوركر لم يصمت. وها هو بعد أيام قليلة ينشر مقالاً قاسي اللهجة في «ذي واشنطن بوست»، هاجم فيه سياسة أوباما «الخطابية البعيدة عن الواقع»، ولامه على تفاقم الأزمة، متهماً إيّاه بأنه «ترك المعارضة السورية معلّقة وسط المخاطر المميتة».

أوباما لمنتقدي
سياسته حيال سوريا: كلامكم هراء في هراء


بعد أسبوع على الاجتماع الصاخب و٣ أيام على نشر مقال كوركر، خرج أوباما يكرر مواقفه من الأزمة السورية ومن آراء منتقديه في مقابلة مع توماس فريدمان في «ذي نيويورك تايمز». لهجة أوباما كانت أكثر تهذيباً هذه المرة، إذ وصف النظرية القائلة بأن تسليح واشنطن للمعارضة كان ليحدث تغييراً في الأحداث والنتائج بأنه «ضرب من الخيال».
«إن تسليح المعارضة الأساسية في مواجهة دولة مسلّحة ومدعومة من روسيا وإيران، والمقاتل الصلب حزب الله، لم يكن أبداً من بين خياراتنا»، قال أوباما لفريدمان. لكن، بعد يومين على نشر مقابلته تلك، خرجت منافسة أوباما السابقة على الرئاسة الوزيرة كلينتون، لتقول إن هناك جناحاً آخر بين الديموقراطيين يختلف جذرياً مع أوباما في نظرته إلى الأزمة السورية. كلينتون اختارت مجلة «ذي أتلانتك» لتقول إن «الفشل في بناء قوة مقاتلة فاعلة من بين السوريين الذين أطلقوا في البداية التحركات الاحتجاجية خلق فراغاً كبيراً ملأه المجاهدون الآن». كلينتون كشفت أيضاً أنها ومدير «وكالة الاستخبارات المركزية» السابق ديفيد بيترايوس كانا يدفعان باتجاه تسليح المعارضة منذ عام ٢٠١٢، لكن ذلك قوبل بالرفض من البيت الأبيض.
وهنا ينقسم المشرّعون والمسؤولون الأمنيون والسياسيون بين من هو داعم لسياسة أوباما في رفضه التسليح المبكر للمعارضة وكلامه عن صعوبة إيجاد معارضين معتدلين، ومن كان يؤيّد خطة كلينتون وبيترايوس في تلك الفترة لكنه يراجع حساباته الآن بعد التأكد من أن السلاح كان ليقع حتماً بيد «داعش»، وأيضاً من ما زال مقتنعاً مع كلينتون بأن سياسة أوباما كانت خطأً أدّى الى إفساح المجال للمتطرفين. كلينتون، من جهتها، لا تنفي احتمال وقوع الأسلحة بين أيدي المتطرفين، لكنها تقول إنه على الأقلّ «لو قمنا بتدريب وتسليح الجيش الحرّ لكنّا علمنا بشكل أفضل ما الذي كان يجري».

كلينتون على حق؟

لكن ما مدى صوابية نظرية كلينتون تلك؟ بعض الصحافيين الأميركيين عرضوا بعض الدراسات التي تؤكد أن أي تسليح خارجي لجهة معينة ضد أخرى في صراع أهلي كان ليؤجج الصراع ويفاقم الأزمة. شرح هؤلاء أن الحرب في سوريا لم تكن حرباً أهلية كلاسيكية، بل معارك بين مجموعات معارضة ضعيفة ومشتتة ترعاها قوى خارجية متنافسة سياسياً (السعودية وقطر)، وذلك هو النموذج الأسوأ من الصراعات الذي لا يحتمل أي دعم عسكري خارجي إضافي.
كلينتون ليست محقة إذاً في طرحها بالنسبة إلى البعض، «والأمثلة كثيرة على وصول السلاح الى الجهات غير المناسبة واستخدامها بطريقة خاطئة، من أوكرانيا الى ليبيا واليمن والسودان وسوريا والعراق...». كلينتون ليست محقة أيضاً بنظر صحافيين كثر ذكّروا بـ«فشل واشنطن في ضبط الأمور بعد تدخلها لمصلحة طرف ضد آخر، إن في أفغانستان الثمانينيات، أو في فيتنام، أو حديثاً في العراق ثم ليبيا ثم العراق مجدداً!»، «لأن العباقرة ذاتهم يقترحون مجدداً حلولاً خاطئة لمشاكل هم خلقوها، سيبقى أولاد أولادنا يقاتلون في العراق!»، علّق أحد الصحافيين على كلام كلينتون الأخير.