بعض الزينة الرمضانية في شوارع المخيم الضيقة، لا يمكن أن تخفي أصوات بكاء الأطفال من الجوع. فالمخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان تعيش ما يمرّ به هذا البلد من أزمة اقتصادية مستمرة منذ عام 2019، والتي تصنّف من أكبر الأزمات على المستوى العالمي، ما يجعل لها تأثيرات اجتماعية ومعيشية على اللاجئين الفلسطينيين كما هي على المواطنين اللبنانيين والمقيمين في لبنان كافة.تتواصل تجلّيات هذا الانهيار، وتترافق في شهر رمضان، مع تواصل ارتفاع الأسعار، وازدياد تكاليف المواد الغذائية وانهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار. لقد بدأت هذه الأزمة في لبنان، بينما تعيش المخيمات الفلسطينية في فقر، ولا سيما مع عجز وكالة «الأونروا» وتقصيرها أو عدم قدرتها على تقديم الكثير من الخدمات.
تخيّم هذه الأوضاع على العائلات الفلسطينية في المخيمات، فنسبة الفقر فيها تصل إلى 93%، حسب بيان أصدرته «الأونروا» في تشرين الأول العام الماضي، بعنوان «الوصول إلى الحضيض». يمكن ملاحظة نسبة الفقر التي أعلنتها الوكالة المعنية باللاجئين الفلسطينيين، من خلال تغيير العادات الغذائية لدى شريحة كبيرة لدى اللاجئين الفلسطينيين، إذ لم يعد بإمكان العائلات تحمّل تكاليف وجبة واحدة يومياً، هذا في حال توفرها. ومن المرجح ارتفاع نسبة الفقر، مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية وزيادة البطالة. فشهر رمضان الذي يتجسّد فيه شعور الأغنياء بفقر الفقراء، يأتي بأثقاله على المخيم.

أهل الخير في المخيم
مع بداية شهر رمضان، شعر أهالي المخيم بصعوبة التكيّف مع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. فبدأ المخيم تلقائياً، بالتكافل والتضامن، فالمعاناة مشتركة، وفي مثل هذه الأوضاع، تكثر أيادي الخير، فخلال السنوات المنصرمة، أصبح تقليداً سنوياً، بروز حملات التكافل والتضامن في المخيمات خلال هذا الشهر، فمعظم الحملات باتت تحمل ذكرى سنوية لانطلاقتها. يؤكد المجتمع في المخيمات ثباته على الترابط في مواجهة الأزمات. أعداد المتطوعين من جميع الأعمار لا يمكن حصرها في كل المخيمات. مشهد يمكن وصفه بالجنة، حين تمر قبل حلول الإفطار بساعتين في المخيم، سيلاحظ على الفور، الشباب بصحبة الأطفال، يوزعون الحصص الغذائية على العائلات، والأمهات في المطابخ يعدّون الأرز في قدور ضخمة. مشاهد تتجلّى فيها بساطة هؤلاء اللاجئين حين يعانون، لكنهم يستمرون.
«لا يزال حجم المعاناة كبيراً، على الرغم من كثافة حملات التبرع وتوزيع الطعام». هذا ما قاله عضو جمعية «أمان»، ثائر دبوب. فمع حجم الجهد الذي تقوم به «أمان» في مخيم برج البراجنة، بالاشتراك مع أكثر من 4 جهات تقدم خدمات التبرع والتوزيع في المخيم، إلا أن حجم الفقر يفوق التبرعات التي تصل من مغتربي المخيم، وبعض الفصائل الفلسطينية.
في مخيم شاتيلا تقدّم الحاجة كريمة، وجبة إفطار يومية لعدد من المحتاجين في المخيم، تجمع القليل من التبرعات منذ عام 2000، وتعدّ الإفطار بنفسها وتوزعه على أهالي المخيم


تكامل للتكافل
شكّلت عدة جمعيات (أمان - رابطة شهداء برج البراجنة - رابطة عكار - حملة الخير - رابطة ترشيحا) في مخيم برج البراجنة، مجتمعة «لجنة رمضان»، لتنهض بشؤون الفقراء في المخيم خلال شهر الصيام، عبر حملة تقديم وجبات الإفطار والدعم لسكان المخيم، كما يوضح ثائر دبدوب: «هذه الحملة لكل فقير في المخيم، إذ لا يمكن التفريق بين فلسطيني أو سوري أو بنغلادشي أو لبناني، فجميعهم فقراء المخيم، وحملة العنصرية التي تُمارس على أهل المخيم لن تُردّ بالمثل». توزع الحملة نحو 400 وجبة إفطار عائلية، وذلك بعد إعدادها في بعض المطابخ التابعة للروابط في المخيم. ويشرح مسؤول المؤسسات في حركة «فتح» في بيروت والمشرف على مطبخ «شهداء مخيم برج البراجنة» محمد دبدوب، آلية إعداد وجبات الإفطار: «تطوع عدد من النساء والرجال، لطبخ المأكولات، التي عادة ما تتضمن أرزاً ولحوماً، إضافة إلى العصائر والتمر، ويتولى الشباب المتطوع التوضيب والتوزيع لإيصالها ساخنة مع موعد الإفطار». الوجبات الموزعة تصل إلى الأكثر فقراً في المخيم، كما تصل إلى بعضهم عند أطراف المخيم.

حملات للشباب والأفراد
كما انطلقت الحملات الجماعية المدعومة، هناك حملات فردية، ففي مخيم شاتيلا تقدّم الحاجة كريمة، وجبة إفطار يومية لعدد من المحتاجين في المخيم، تجمع القليل من التبرعات منذ عام 2000، وتعدّ الإفطار بنفسها وتوزعه على أهالي المخيم، يساعدها أهل بيتها والأقارب في هذه المبادرة، تقدّم الإفطار لأكثر من 15 شخصاً يومياً. الحاجة كريمة معروفة أيضاً بـ«أمّ الأيتام» في المخيم، تعدّ لهم الطعام، كما تعدّه لأولادها، فهي عمّة يتيم، فقد والده الشهيد عام 2000 في الجنوب، فقررت بعد استشهاد شقيقها أن تتبنّى كل أيتام المخيم. ولا يقف التكالف عند حدّ الوجبات، إذ تجمع التبرعات أيضاً لتوفير «كسوة العيد» للأطفال.
ومثل حملة الحاجة كريمة، هناك حملة «من فاعل خير إلى أهل الخير» التي تنظّمها مجموعة من الشباب. تجمع هذه الحملة تبرعاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتقوم بتصوير التقارير عن أوضاع المخيم، ما يساعدها في جمع التبرعات، التي تؤمن المساعدات للمحتاجين.
في النتيجة، لا تقي هذه الحملات كل البيوت الفقر، لكنها «البحصة التي تسند الجرّة»، والوجه الجميل للمخيمات وأهلها، ولا سيما في ظل غياب الحملات الكبرى من قبل الجهات المسؤولة عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، وعلى رأسها «الأونروا».