بعيد اندلاع الحرب في سوريا، أدت المعارك التي دارت إلى تأزم أوضاع العديد من المناطق السورية، ومنها المخيمات الفلسطينية في المدن السورية وأريافها. من تلك المخيمات والتجمعات التي تعرضت لضرر كبير، تجمع الحسينية في ريف دمشق، الذي يسكنه نحو 4000 لاجئ فلسطيني. تستمر معاناتهم، بسبب تردي الخدمات فيه، بسبب الحرب التي دارت رحاها خلال 12 عاماً، وحصار دولي مفروض على سوريا، انعكس على حياة البلاد بأكملها.

لا وسائط نقل
يعمل أكثر من ثلثي سكان الحسينية خارجها، ما يتطلب توفير وسائط نقل على مدار الساعة، لكن واقع الحال، ليس كذلك، فالمنطقة تفتقر إلى هذه الخدمة الرئيسية حرفياً، فتطاول هذه المعاناة صغار الكسبة، أثناء ذهابهم وعودتهم من عملهم، فضلاً عن حاجات الطوارئ، كالإسعاف مثلاً.

رزقها مهدد
تبلغ فرح من العمر 23 سنة، وهي إحدى ساكنات تجمع الحسينية، تمكنت وبعد بحث طويل، أن تجد عملاً ضمن أحد أحياء دمشق. تصف لـ «الأخبار» أن معاناتها في التنقل بين الحسينية ودمشق، أصعب من إيجادها العمل، «تعذبت كثيراً حتى حصلت على وظيفة ضمن مجال دراستي، ومكان العمل بمنطقة بعيدة من منزلي الذي يقع في الحسينية، لكن الذي زاد عذابي، هو انتظار أي وسيلة نقل تأخذني إلى مكان العمل، وأنا أحتاج للخروج من المنزل باتجاه موقف السيارات قبل ساعتين أو ثلاث من وقت بدء العمل». تفعل فرح هذا بينما يبعد منزلها من مقر عملها نحو ساعة أو أقل في السيارة. تكمل فرح والحسرة تتضح في كلامها: «غير معاناتنا من أزمة المواصلات، يأتي بعض السائقين ممن سولت لهم أنفسهم عدم رحمة الناس، فيحاول استحكام أهالي المنطقة وصغار الكسبة، فيرفع أجرة الركوب أضعاف ما هي عليه، كما أنه يقوم بوضع أربعة ركاب في مقعد مخصص لثلاثة فقط، وأحياناً أكثر من أربعة». تصمت فرح خلال حديثها، لتعود وتقول إنها تتذكر تهديدات مديرها في العمل فـ «مشكلة المواصلات، تجعلني أتأخر يومياً عن عملي، وهذا يؤثر في عملي سلباً، ما يدفع مديري في العمل، إلى لومي وتقديم محاضرات عن الالتزام بموعد العمل وعدم التأخر، ليأتي آخر الشهر، وقد قام بخصم مبلغ من الراتب، كل هذا عدا عن الرجوع إلى المنزل في وقت متأخر من الليل، الوضع جداً صعب».

ضرير ينتظر الركوب
في أحد الأيام، كنت واقفاً في كراج للمركبات التي تتجه إلى الحسينية، وإذ يمر من أمامي شخص ضرير وزوجته، كانت السيدة تمسك بيده خوفاً عليه من الأذى والضياع، جراء احتشاد الناس الذين ينتظرون أي مركبة تقلهم إلى الحسينية، ولا شيء في وجوههم إلا الحسرة والتعب. وصلت إحدى وسائل النقل، وهجم الناس نحوها، أملاً بالتمكن من ركوبها ولو على طرف كرسي، أو حتى ولو بالتمسك ببابها، وبينما كانت زوجة الرجل الضرير تحاول الوصول إلى المركبة، وصل شاب يركض أيضاً، ما أدى إلى اصطدامه بالسيدة وزوجها، فتعارك مع الشاب، لا عجب في هذا، على الرغم من غرابته، فسبب العراك هو الركوب، وليس الاصطدام، فالهم الأكبر للجميع هو الركوب، والوصول إلى المنزل.

خدمات «الحسينية» ليست محسنة
يمكن اعتبار، قطاع الخدمات في هذا التجمع، شبه معدوم، فيقضي الناس بعضاً من يومهم بحثاً عن الماء، في ظل انقطاع الكهرباء، ويوضح مختار الحسينية السيد ماجد العوض لـ «الأخبار» أن أهالي المنطقة يعانون نقصاً في الخدمات «فليس لدينا أكثر من خمسة بالمئة من القوة التشغيلية التي تحتاجها المنطقة، فالكهرباء لا نراها إلا نصف ساعة في اليوم أو لا تأتي أبداً»، كما نوه العوض إلى وجود ثلاث بلديات في المنطقة، لكنها لا تقدم خدمات كافية للمنطقة موضحاً «على الرغم من وجود ثلاث بلديات، إلا إن القمامة تملأ الشوارع، كما أن العديد من الطرقات تحتاج للتعبيد، وأخرى تفوح منها راحة المجارير، ولم تجد أي جهة حلاً لها حتى اللحظة».
أما وكالة «الأونروا» الموجودة لخدمة اللاجئين الفلسطينيين بحسب تعريفها، فهي في واقع الأمر، لا تقدم في «الحسينية» إلا التعليم الذي تراجع بشكل ملحوظ في مدارسها مقارنة بما كان عليه سابقاً، كما يوجد في المنطقة مركز صحي يتبع للوكالة، يرى معظم ساكني التجمع، أن خدماته سيئة، كما تعامل العاملين بطريقة غير لبقة، وتتنافى مع المعايير الإنسانية المعروفة لتقديم الخدمات الصحية.
هذه الظروف التي يعيشها هذا التجمع الفلسطيني، أدت إلى ازدياد حاد في نسب الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين، حتى بات بعضهم مشرداً أو متسولاً، وبعض آخر، يجني المال بطرق غير شرعية على حساب الناس والوطن.