صمود الفلسطينيين واصرارهم على شروط وقف اطلاق النار، وفي مقدمتها فك الحصار عن قطاع غزة، كانا مدار تحليلات الاعلام العبري أمس، «كيف أخطأت إسرائيل في تقديراتها، وما الذي يدفع الفلسطينيين إلى الاصرار على مواقفهم؟». صحيفة «هآرتس» رأت أن تل أبيب وقعت في خطأ إعلان الانتصار على الفصائل الفلسطينية، ولم تدرك حقيقة الموقف الفلسطيني، الذي لا يقبل التراجع قبل تحقيق الأهداف، مشيرةً إلى أن حماس والفصائل، يعتقدون بأن ثمن وقف اطلاق النار من دون تحقيق انجازات ملموسة، يعد بالنسبة إليهم ثمناً أعلى بكثير من استمرار الحرب.

وكتب معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة، عاموس هرئيل، مشيرا إلى وجود تراجع في الموقف الإسرائيلي، وتحديداً حيال حكومة المصالحة الفلسطينية، التي أعلنت معارضتها الشديدة لها قبل ثلاثة أشهر، «اما الآن، فها هي إسرائيل تشجع إلى جانب مصر، على دمج مئات النشطاء ورجال أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، في تفعيل معبر رفح»، فيما تقترح إلى ذلك، تقديم تسهيلات على المعابر.
في السياق نفسه، كتب ايال زيسر في صحيفة «إسرائيل اليوم»، مقالاً تحليلياً، يشير فيه إلى أن الجميع في إسرائيل يدركون جيداً أن غزة ليست لبنان، وأن قادة «حماس» ليسوا (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله «لكن يبدو أن سبب استئناف اطلاق الصواريخ من غزة لا يتعلق بأن حجم الدمار لم يكن رادعاً لحماس، بل لأنه كان أكثر من اللازم، الامر الذي وضع حماس في موقف اليأس إلى حد لم يعد أمامها خيار سوى التمسك بمسار المواجهة، اي إن المسألة برمتها تحولت بالنسبة إليها إلى صراع وجودي على مستقبلها».

11 جندياً إسرائيلياً
قتلتهم «حماس»
في استراتيجية
قذائف الهاون

يضيف زيسر أن تسليم قادة «حماس» بما حصل، وبالدمار الذي لحق بالقطاع، سيدفع الجمهور الفلسطيني إلى مواجهتهم، ولهذا السبب يخوضون حرب البقاء، التي ترمي إلى إجبار إسرائيل ومصر على قبول ترتيبات تضمن استمرار وجودهم كحركة مسلحة في القطاع، على أن يجري ترميم غزة بحسب املاءاتها. و«لهذا السبب تستغل حماس نقاط الضعف في الموقف الإسرائيلي للتوصل إلى أهدافها».
وتحت عنوان «حرب الاستنزاف»، كتب يوسي يهوشوواع في «يديعوت أحرونوت» منتقداً دعوة رئيس أركان الجيش، بني غانتس، سكان المستوطنات المحيطة بقطاع غزة للعودة إلى منازلهم، وأكد أن هذه الدعوة كانت متسرعة و«من غير المعلوم ما الذي دفعه إلى التفاؤل»، وتساءل الكاتب: «هل كان يعتقد بأن حماس لن تستأنف اطلاق الصواريخ بعد انتهاء الهدنة المؤقتة صباح الجمعة الماضي؟ وهل كانت دعوته تعبيراً عن رغبة شخصية بإنهاء العملية العسكرية، الامر الذي أنساه أنه قائد أركان الجيش؟ وهل كان يدري أن العدو يتابع تصريحاته ويدرسها جيداً ويبني عليها؟»
وأشار الكاتب إلى أن شعبة الاستخبارات تشخص في الآونة الأخيرة تركيز الفصائل الفلسطينية على سلاح الهاون بدلاً من الصواريخ، لأن هذا السلاح أثبت نفسه، وما من حل دفاعي في مواجهته، ويكفي أنه قتل حتى الآن 11 جندياً إسرائيلياً. وبحسب الكاتب، تركز «حماس» جهدها على الهاون بهدف استنزاف سكان المستوطنات في محيط قطاع غزة «الذين بدأوا يظهرون دلائل انكسار، وما يثبت نجاعة هذه المساعي وجود أزمة ثقة نشبت بين المستوطنين والقيادتين العسكرية والسياسية».
من جهتها، قدرت صحيفة «معاريف» أن تستمر المفاوضات في القاهرة، وبصورة معقدة، عدة أسابيع إضافية، اما النتيجة، فمعلومة مسبقاً: توافق فيها إسرائيل على فتح المعابر وتحويل الأموال إلى قطاع غزة، لكنها لن ترضى بفتح بمطار وميناء بحري، على خلفية خشيتها من استخدامهما في تعزيز قوة «حماس» العسكرية. ونقلت عن مصادر دبلوماسية في القاهرة بأنه تلوح امكانية أن تكون «حماس» قد أزاحت عن طاولة البحث مسألة فتح ميناء في غزة، واذا كان الامر كذلك، فإن «هناك احتمالات لايجاد خرق للمفاوضات».
آفي يسسخاروف في «تايمز أوف إسرائيل»، أشار في مقالة تحليلية إلى أن هدف «حماس» من إنشاء ميناء بحري في غزة، أنه يرمز تحديداً إلى نجاحها في المواجهة، وأنها استطاعت فك الحصار عن القطاع، حتى ولو جرى ذلك تحت رقابة دولية، أو من قبل السلطة الفلسطينية، لأن «هدف حماس هو أن تثبت للرأي العام الفلسطيني في غزة بأنها حققت انجازاً مهماً، والميناء هو بالفعل دليل على أن الجهد أتى بنتيجة».
وأضاف يسسخاروف أن إصرار الذراع العسكرية لـ «حماس» على الميناء تحديداً، مرتبط بالموقف المصري، إذ من الواضح أن فتح معبر رفح يمثل هو أيضاً رمزاً ذا أهمية، ولكن حتى مع فتح هذا المعبر ستظل «حماس» في المستقبل تحت رحمة السلطات المصرية.
وأشار الكاتب إلى أن معضلة كل الأطراف، أنه حتى لو توصلت «حماس» وإسرائيل إلى اتفاق على وقف إطلاق نار في مرحلة ما، فهناك شك في أن يتغير الواقع، اذ «للطرفين مصلحة واضحة في الحفاظ على الهدوء، ولكن ليس أكثر من ذلك، فلا مصلحة لاحد باتفاق سلام يلزم الطرفين بتنازلات كبيرة، وهذا من جهة نتنياهو على الأقل، الذي لا يريد سوى وضع لا يتدهور إلى حرب شاملة لا أكثر».