انفرط عقد الهدوء أمس في قطاع غزة وعادت نار القصف وعداد الحرب إلى الدوران. ومع أن عدد الشهداء أمس لم يكن كبيراً (نحو 5 شهداء و31 جريحاً) مقارنة بأيام العدوان ما قبل التهدئة، فإن التفاصيل الأخرى المتعلقة بالحرب كالنزوح وزيادة أزمات الغزيين ظلت متواصلة. في المقابل، ردّت المقاومة الفلسطينية، التي افتتحت المواجهة أمس، بصليات صاروخية على مستوطنات غلاف غزة، ما أعطى إيحاءً بأنها عادت إلى أسلوب التدرج في توسيع المعركة الذي سبق الحرب الجارية.
وكان لافتاً أن المقاومة كانت حريصة على بقاء دائرة الاستهداف في مدى أقل من 40 كيلومتراً، كما أنها لم تتجاوز، من حيث العدد، 70 صاروخاً. كذلك فعلت قوات الاحتلال التي ردت بغارات معدودات، في إشارة على ما يبدو إلى رغبة الطرفين عدم تفجير الوضع.
قطع التهدئة الإنسانية وإرجاء الحديث عنها يأتيان بالتزامن مع إفادة مصادر متقاطعة لـ«الأخبار» أن الوفد الفلسطيني لم يتلق حتى منتصف الليل أي ردّ إسرائيلي عبر الجانب المصري، «بل هناك شعور واضح بالتعنت الإسرائيلي تجاه النقاط التي أعلن الاحتلال أول من أمس رفضها (راجع العدد 2363)، ولا صحة للأنباء عن موافقته على حق غزة في إنشاء ميناء بحري».
وتقول مصادر من «حماس» إنه جرى إبلاغ الوسيط المصري قراراً فلسطينياً مفاده أنه «إذا استمرت المماطلة الإسرائيلية فإن الوفد الفلسطيني سينسحب من القاهرة غداً الأحد»، تاركاً المجال للمقاومة «التي ستوسع القصف حتى يطال تل أبيب».

المقاومة كانت حريصة على بقاء دائرة الاستهداف في مدى أقل من 40 كيلومتراً

لكن عضو الوفد عن حركة «الجهاد الإسلامي» خالد البطش قال إن هناك حديثاً عن هدنة لمدة 72 ساعة أخرى مطروحة على النقاش، «لكن لم نعط رأياً بعد». هذه المصادر أشارت بوضوح إلى أنها لن تحمّل القاهرة مسؤولية إخفاق الوساطة، مع ذكرها أن المقاومة قررت التركيز على مطلب الميناء بعدما وجدت أن موضوع معبر رفح لا يمكن إدخاله في اتفاق التهدئة، «كما لا يمكن ضمان فتح المعبر لأنه ربط بعودة حرس الرئاسة إلى غزة، ما يعني استحقاقات أخرى قد تشترطها السلطة، مثل عودة كل قواتها إلى مواقعها، وهو ما يحتاج إلى أشهر طويلة».
في المقابل، تقول المصادر إن القاهرة لن تكف عن مواصلة الجهود في التهدئة بين الجانبين، منتقدة ما سمته «التصرفات الحمساوية غير المدروسة»، ولافتة إلى أنها رفعت حالة التأهب على طول خط الحدود الدولية بين الأراضي المصرية وقطاع غزة، كذلك شمل الاستنفار جميع الارتكازات الأمنية على الطريق الدولي من مدينة العريش حتى المعبر.
وتعليقاً على هذا التغير، قال الباحث محمد إبراهيم إن «الهدف من الحرب على غزة هو نزع سلاح المقاومة، والتمهيد لتغيير شامل في قواعد اللعبة على الأرض»، مضيفاً لـ«الأخبار» أن المقابل المطروح هو «إعادة فتح معبر رفح مرة أخرى».
على هذا، أبدى عدد من المعلقين في قنوات التلفزة الإسرائيلية أخيراً امتعاضهم من الطريقة التي يتعامل بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الأوضاع في غزة، مؤكدين أنه يشجع استمرار العدوان على غزة. وبات أكثر من معلق إسرائيلي يعبّر عن ضجره من سلوك نظام السيسي، ويتّهمه بالحرص على إطالة أمد الحرب ضد حماس بأي ثمن. من هؤلاء الصحافية الإسرائيلية كيرن نويبخ، وهي مقدمة شبكة الإذاعة الثانية، وتقول: «نعرف أن السيسي يكره حماس أكثر مما نكرهها، لكن ما الذي نستفيده نحن؟ نحن نريد وقف إطلاق النار، وهذه مصلحتنا، وهو يريد غير ذلك»، كذلك صدر كلام مشابه عن المعلق السياسي في القناة العاشرة رفيف دروكير.

المقاومة كانت حريصة على بقاء دائرة الاستهداف في مدى أقل من 40 كيلومتراً

من جهته، قال نائب وزير الجيش الأسبق، داني دانون، إن «المصريين طلبوا منا قبل أسبوعين مواصلة ضرب حماس ومنع المفاوضات، لأن حماس لم تتألم بما فيه الكفاية». ورداً على هذا الجو، دعا الناطق باسم حركة «حماس»، سامي أبو زهري، مصر، إلى الرد على هذه التصريحات، خاصة ما قالته وزيرة العدو تسيبي ليفني، حينما أشارت إلى أن هناك «توافقاً مع مصر على خنق حماس»، ووصف أبو زهري كلام ليفني بأنه «تصريحات قذرة وتحتاج إلى رد مصري».
بعد هذا العرض، يظهر أن هناك توافقاً فلسطينياً على تجنّب الصدام مع القاهرة وتصديره إلى الإسرائيليين. وقال رئيس الوفد الفلسطيني عزام الأحمد: «أبلغنا أشقاءنا المصريين أننا جالسون في القاهرة ولسنا مع التصعيد، لكننا نريد إنجاز اتفاق نهائي يعيد الحقوق إلى أصحابها بما يعني رفع الحصار عن غزة بكل صوره».
في هذا الوقت، كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، عصر الجمعة، عن تلقيه تأكيدات أوروبية أن الاتحاد الأوروبي يضغط من أجل المساعدة في إنهاء «الصراع المدمر في غزة» عبر خطة لتطوير الميناء، وتدشين ممر مائي عبر قبرص.
كذلك نقلت وسائل إعلام أن ألمانيا وفرنسا قدمتا تصوراً من أجل إعادة تفعيل الوحدة الأوروبية على معبر رفح، مشيرة إلى إجماع أوروبي على أن تطوير ميناء غزة يجب أن يكون جزءاً مكملاً لجهود إعادة الاعمار.
إسرائيلياً، قال رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق لمنطقة الجنوب، تسفيكا فوجل، إن مطلب الفلسطينيين بإنشاء ميناء بحري في القطاع لا يعارض الحفاظ على الأمن الإسرائيلي «بل يدعم الهدوء الطويل على جبهة غزة». وأضاف فوجل، خلال مداخلة على القناة الثانية، أن إنشاء الميناء سيستغرق من 5ــ8 سنوات، «ما يعني منح المنطقة مدة طويلة من الهدوء»، لكنه لم ينكر أن هذا إنجاز استراتيجي للفلسطينيين يجعل لديهم ما يخسرونه في أي مواجهة قادمة، «لذلك فسيكون من عوامل الاستقرار وليس العكس». وأشار فوجل إلى أن بالإمكان خلق نظام مراقبة وتفتيش دولي لهذا الميناء من أجل منع دخول الأسلحة والوسائل القتالية إلى القطاع.



زيادة عدد الجرحى الإسرائيليين في التهدئة!

أظهرت معطيات جديدة نُشرت أمس أن عدد الجنود الإسرائيليين الجرحى منذ بدء العدوان على غزة حتى أول من أمس بلغ 1620 جندياً، علما بأن هذه الحصيلة كانت يوم الجمعة الماضي 1357 جندياً جريحاً. والغريب في زيادة العدد أنه منذ صباح الثلاثاء الماضي سرت تهدئة لثلاثة أيام ولم تكن هناك أعمال قتالية.
ووفقاً للمعطيات التي أوردتها صحيفة «هآرتس»، بلغ عدد الجنود الإسرائيليين القتلى منذ بداية العدوان 64 جندياً و4 مواطنين. وأشارت الصحيفة إلى أن عدد الجنود القتلى خلال عدوان «الرصاص المصبوب» نهاية عام 2008 كان 10 جنود و3 مدنيين.
وأطلقت فصائل المقاومة في غزة 2648 صاروخاً باتجاه إسرائيل، واعترضت القبة الحديدية 578، بينما سقط 116 صاروخاً في مناطق مأهولة، وباقي الصواريخ سقطت في مناطق مفتوحة.
كذلك، استدعى الجيش الإسرائيلي 82,201 من جنود قوات الاحتياط، فيما أفادت تقارير أمس بتسريح قرابة 30 ألفاً منهم خلال اليومين الماضيين. كذلك شنّ الطيران الحربي 4762 غارة جوية على قطاع غزة.