الخرطوم | يعيش السودان، منذ مطلع الأسبوع الحالي، على وقْع شائعات عن قرْب اندلاع مواجهة مسلّحة بين الجيش وميليشيات «الدعم السريع»، زخّمتْها تصريحات تصعيدية أطلقها كِلا الطرفَين، وخصوصاً قادة الجيش، الذين ظلّوا، منذ سقوط نظام عمر البشير، يشدّدون على كوْن «الدعم السريع» جزءاً لا يتجزّأ من القوّات المسلّحة، وذلك عند مطالبة القوى المدنية إيّاهم بدمج تلك القوّات في الجيش. لكنهم اليوم، ونتيجة تمسّك قائد «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بتنفيذ «الاتفاق الإطاري» الذي يُفترض نظرياً أن يفضي إلى انسحاب العسكر من العملية السياسية، باتوا يتحدّثون عن إلزامية دمْج الميليشيات بالجيش، بل ويضعونها شرطاً لالتزامهم بـ«الإطاري».وبالتزامن مع ازدياد حدّة الشائعات، خرجت تقارير صحافية تتحدّث عن مطالبة جهاز الأمن والمخابرات العامّة، قيادة «الدعم السريع»، بإخلاء جميع الدور والمقارّ التابعة للمخابرات في جميع ولايات السودان بصورة عاجلة، لكن سرعان ما نفى جهاز الأمن الأمر. غير أن متابعين يرون أن الخبر، وإنْ تمّ نفيه، فإنه قد أدّى الغرض الأساسي من نشره، إذ أَسهم في بثّ الذعر بين المواطنين الذين باتوا شبه متأكّدين من أن المواجهة المسلحة بين القوّتَين باتت مسألة وقت ليس إلاّ. من جهتها، تعتقد القوى السياسية المنخرطة في «الاتفاق الإطاري» أن ثمّة مسعًى من قِبل أعوان النظام السابق لزعزعة الأمن في البلاد، وبالتالي إجهاض الاتفاق.
وفي هذا الإطار، حذّر القيادي في «ائتلاف قوى الحرية والتغيير» وعضو «مجلس السيادة» السابق، محمد الفكي، من أن أيّ مواجهة عسكرية بين الجيش و«الدعم السريع» ستكون كارثية، مضيفاً أنه إذا حدثت هكذا مواجهة «ستنتقل قواعد العمل السياسي المدني إلى مرحلة جديدة ويجب عدم السماح بذلك». وإذ تحدّث الفكي عن جيوش إلكترونية «تتلاعب بأمن البلاد»، فقد رأى أن «أعوان النظام السابق يُراهنون على المواجهة المسلّحة بين العسكريين، كوْنها ستتيح لهم إعادة إمساك السلطة بيدهم لامتلاكهم ميليشيات عسكرية وأمنية وأموالاً». وأوضح القيادي في «الحرية والتغيير» أن «دمْج قوات الدعم السريع بالجيش لا يشكّل هاجساً للائتلاف»، لافتاً إلى أن «الورشة الخاصة بإصلاح المؤسّسة العسكرية ستحدّد الجوانب الفنّية والتواقيت الزمنية لعملية الدمج».
أكدت قيادة قوات «الدعم السريع» أنها لن تَرفع السلاح بوجه الجيش السوداني


في خضمّ ذلك، خرج القائد الثاني لـ«الدعم السريع»، عبد الرحيم حمدان دقلو، متعهّداً بعدم توجيه السلاح ضدّ الجيش السوداني، ومستبعداً حدوث أيّ مواجهة بين القوّات المسلحة وقوّاته، بينما التزم قادة الجيش الصمت، في ما عدا تصريحات متشابهة من قِبلهم أُطلقت في مناسبات اجتماعية، وتحدّثوا في خلالها عن أهمية «الدمج»، وهو ما أثار سخرية واسعة في الشارع، على اعتبار أن القادة العسكريين يتناولون شأناً حيوياً من شؤون البلاد في حضورهم الأفراح، عوضاً عن البدء بإجراءات عملية في مقرّ القيادة العامة. أمّا القوى المؤيّدة للجيش في «الكتلة الديموقراطية»، فقد بدت هي الأخرى مذعورة من إمكانية اندلاع مواجهة بين العسكريين، إذ حذّر حاكم إقليم دارفور، رئيس حركة «جيش تحرير السودان»، القيادي في «الكتلة الديموقراطية» مني أركو مناوي، من الاستثمار في الخلاف بين الجيش و«الدعم السريع»، لأن ذلك «سيؤدي إلى دمار البلاد».
غير أن مصدراً في الجيش استبعد حدوث مواجهة مسلّحة، موضحاً أن «الخلاف ليس بين الجيش والدعم السريع، إنّما بين قيادة الجيش ممثَّلة في أعضاء مجلس السيادة الأربعة والدعم السريع». ولعلّ هذا ما قصده محمد حمدان دقلو في خطاب جاء بمثابة ردّ على التصعيد الإعلامي من قِبل قادة الجيش، حيث أكد على أن «قوّات الدعم السريع نشأت كمُساند للجيش، وينصّ قانونها على أنها جزء منه»، مشدّداً على «عدم السماح لعناصر النظام السابق بالوقيعة بين الطرفَين، وأنهم لن يستطيعوا بلوغ ذلك أبداً». وجدّد دقلو «التمسّك بما ورد في الاتفاق الإطاري بخصوص الجيش الواحد وفق جداول زمنية يُتّفق عليها»، مكرّراً التزامه «الانخراط في عملية الإصلاح الأمني والعسكري بصورة تُطوّر المؤسّسة العسكرية وتزيد من كفاءتها».
ولربّما تشكّل هذه النقطة تحديداً جوهر الخلاف بين القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي التزم الصمت حتى الآن حيال تصريحات حميدتي، وبين قائد «الدعم السريع»، بحسب مصدر مطّلع تحدث إلى «الأخبار». وأوضح المصدر أن «عملية إصلاح المؤسّسة العسكرية هي أكثر ما يخشاه قادة الجيش، وخاصة أن غالبية الرُّتب العليا في الجيش تنتمي إلى الحركة الإسلامية»، والتي يرى مراقبون أن حميدتي ألمح إلى ضرورة استبعادها بحديثه عن أهمية إجراء إصلاحات هيكلية في المؤسّسة العسكرية والمنظومة الأمنية. ويرى مراقبون أن حميدتي يعاني من عزلة دولية نتيجة الممارسات غير القانونية التي تقوم بها قوّاته، بالإضافة إلى علاقته مع روسيا وقوّات «فاغنر» الروسية التي تقاتل في أفريقيا الوسطى. ولذا، فهو يسعى إلى استرضاء «المجتمع الدولي» الراعي والمؤيّد للعملية السياسية الجارية الآن في البلاد، وهو ما تبدّى في تصريحات حميدتي التي أعلن فيها ندمه على المشاركة في انقلاب 25 تشرين الأول2021. من جهتهم، يبحث قادة الجيش، وفق مراقبين، عن أسباب ومبرّرات لعرقلة تنفيذ «الاتفاق الإطاري»، تارة عبر اللجوء إلى الاستقواء بأطراف خارجية، وأخرى عبر اللعب على الأوراق المحلّية.