بغداد | في ظلّ الأزمة المتصاعدة التي تتمثّل في تذبذب سعر الدولار الأميركي أمام الدينار العراقي، واختلال القوّة الشرائية في السوق المحلّية، نتيجة الغلاء غير المسبوق في المواد الاستهلاكية المستورَدة بالعملة الصعبة، أرسلت حكومة بغداد وفداً يقوده وزير الخارجية، فؤاد حسين، إلى واشنطن، لمواصلة الحوار بشأن ملفّات عديدة؛ أهمّها الاقتصاد والسياسة والأمن. ويأمل العراقيون أن تؤدّي هذه الزيارة، والمفاوضات التي ستتخلّلها، إلى عودة سعر صرف الدولار إلى سابق عهده، بعد التقلّب الكبير الذي شهده خلال الأسابيع الماضية، حين لامس سعره الـ 1700 دينار
بدأ وفد عراقي زيارة لواشنطن، يُفترض أن يُجري خلالها جولات تفاوضية لتعديل سعر صرف الدينار المقترَح، إلى ما دون السعر الحالي، الذي بلغ، أمس، 1457 ديناراً، في وقت صادق فيه مجلس الوزراء العراقي على قرار البنك المركزي رفْع القيمة الرسمية للعملة المحلّية، لتُعادل 1300 دينار للدولار الواحد. وتأتي الزيارة، التي انطلقت أمس، في إطار جهود تَبذلها الحكومة و"المركزي" من أجل تخفيف القيود التي فرَضها الاحتياط الفيدرالي الأميركي على التعاملات المالية العراقية، وفقاً لبيان حكومي. وكان رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، قد تعهّد للمواطنين بتخفيض سعر الصرف خلال فترة وجيزة، وذلك على إثر اندلاع تظاهرات شعبية بالقرب من مبنى "المركزي"، تندّد بتهريب العملة إلى الخارج، وتطالب بمعالجة سريعة تحدّ من تداعيات الأزمة الاقتصادية على الوضع المعيشي. وطمأنت لجنتا المالية والعلاقات الخارجية النيابيتان، بدورهما، إلى أن الوفد الزائر للولايات المتحدة سيقدّم استراتيجية واضحة للطرف الأميركي، بشأن عمليات نقْل أموال النفط المودَعة في الاحتياط الفيدرالي، لوضع آليات مشتركة بشأن حركة التعاملات المالية، وتنظيم إجراءات تداوُل العملة مع المصارف والتجّار لغرض الاستيراد من الخارج.
واتّفقت واشنطن مع بغداد، في السنة الماضية، على تطبيق نظام المنصّة الإلكترونية لبيع الدولار داخل البنك المركزي العراقي، وتحت إشراف ومراقبة الاحتياط الفيدرالي الأميركي، وخاصة للمبالغ الخارجة من الأوّل إلى المصارف والبنوك الأهلية ورجال الأعمال المستفيدين من تداوُل العملة الصعبة. وخلال الشهر الماضي، شرعت قوات الأمن الاقتصادي في حملة اعتقالات في السوق العراقية لملاحقة مَن يُعرفون بـ«المضاربين بالعملة»، وألقت القبض على أشخاص متورّطين في تهريب الأموال برّاً إلى خارج البلاد، فضلاً عن اكتشاف أوراق نقدية مزوَّرة متداولة ضمن إجراءات ضبْط حركة نقْل الأموال التي تُخالف النظام المصرفي العالمي. وعلى إثر المحادثات التي جرت في إسطنبول، بين محافظ "المركزي العراقي" علي العلاق، ومساعد وزيرة الخزانة الأميركية، انخفضت أسعار الدولار بشكل نسبي، وذلك بعدما شهدت ارتفاعاً حادّاً في الأسواق، جرّاء مراقبة عملية التحويل ووقْف تهريب العملة إلى الخارج.
واشنطن تريد اعترافاً رسمياً بأن الحكومة الحالية طلبت بقاء قوّات أميركية على أرضها


وبهذا الخصوص، يؤكد المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، لـ«الأخبار»، أن "الحزمة الإصلاحية التي أطلقها البنك المركزي العراقي، والمفاوضات مع الخزانة الأميركية، ستنعكس بشكل إيجابي على استقرار سعر صرف الدولار، وسترفع أيضاً من قيمة الدينار"، مضيفاً أن الوفد العراقي الزائر لواشنطن سيتمكّن من تحصيل تخفيف ممنهج للقيود المفروضة على "المركزي"، بعد التوصّل إلى اتّفاق تفصيلي مع الطرف الأميركي لإجراء عمليات التحويل الخارجي بين العراق والعالم. ويَلفت صالح إلى أن «الوفد مهمّته الأولى هي التفاوض مع الفيدرالي بشأن عودة سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه سابقاً، فضلاً عن حماية الأموال العراقية من التهريب".
ويكشف المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، بدوره، لـ«الأخبار»، أن «الوفد سيُجري جملة حوارات أغلبها يركّز على العلاقات الثنائية بين بغداد وواشنطن، وسيبحث أيضاً اتفاقية الإطار الاستراتيجي والدفع بمضامينها بما يخدم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، إضافة إلى مناقشة موضوع سعر صرف الدولار والارتفاعات التي شهدها أخيراً». ويشير الصحاف إلى أن "رئيس الحكومة لديه رؤية لإيجاد تفاهمات مشتركة تعزّز الجانب القطاعي والمصرفي، وتعكس رؤية إيجابية للحياة اليومية للمواطن العراقي، وتحدّ من تبعات وأعباء انعكاسات سعر الصرف»، متابعاً أن «وزير الخارجية، فؤاد حسين، سيلتقي نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، على هامش الزيارة، والمحادثات ستكون معمقة، للوصول إلى نتائج بطابع استراتيجي». وفي ما يخصّ الوجود الأميركي في العراق، يقول الصحاف إن «هذا الوجود يقتصر على التدريب والتطوير وبناء القدرات، وهو ما سنعيد التأكيد عليه بطلب من الحكومة العراقية، مع التشديد على الالتزام الكامل بسيادة العراق ووحدة أراضيه».
ويوافق وكيل وزير الخارجية العراقية، هشام العلوي، على أن «ثمّة رؤية لدى الحكومة لبناء علاقات طيّبة مع الجانب الأميركي، وخاصة في المجالات الحيوية، ومنها الاقتصاد والأمن والاستثمار»، مضيفاً أن «التوجّه الحكومي الحالي هو الانفتاح على جميع الدول، بعيداً عن المشاكل الدولية والإقليمية التي ينأى العراق بنفسه عنها». ويَلفت العلوي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «زيارة الوفد العراقي الذي يضمّ مدير البنك المركزي وشخصيات حكومية رفيعة المستوى، ستناقش أهمّية تخفيض سعر صرف الدولار، والاتّفاق مع الاحتياط الفيدرالي الأميركي على إجراءات تخفيف القيود التي فرضها على المركزي».
وفي السياق نفسه، تُوجّه النائبة في لجنة العلاقات الخارجية النيابية، فيان صبري، رسالة طمأنة إلى الشعب العراقي بأن «التفاوض مع الجانب الأميركي سيُنهي أزمة سعر الصرف في العراق"، مشيرة إلى أن "جهود السوداني واضحة، من خلال توجيه المركزي بوضع الخطط والدراسات لتنظيم حركة نقْل الأموال داخل العراق وخارجه». وتؤكد صبري، لـ«الأخبار»، أن «الحكومة عازمة على عقْد اتّفاقات مهمّة مع واشنطن، وإيصال وجهة نظر العراق بشأن الإصلاحات الاقتصادية التي تسعى إلى تنفيذها بالتنسيق مع الدول الكبرى».
في المقابل، يقدّر الخبير السياسي، محمد نعناع، في تصريح إلى «الأخبار»، صعوبة أن تُفضي هذه الزيارة إلى تجاوُز كلّ الإشكالات بين العراق والولايات المتحدة، مبرّراً ذلك بأن "الأميركيين متمسّكون بمفردتَين لا تستطيع الحكومة الحالية الوفاء بهما، الأولى هي العودة إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي بشكل كامل، والتي تتضمّن الاعتراف الرسمي بأن الحكومة العراقية الحالية طلبت بقاء قوّات أميركية على أرضها، وهو ما يبدو صعباً جدّاً بالنسبة إلى الحكومة التي لها مرجعية سياسية هي "الإطار التنسيقي" الرافض للوجود الأجنبي، ولا سيما الأميركي. وأمّا المفردة الثانية، فهي أن أميركا طلبت علناً على لسان رئيسها، جو بايدن، من السوداني، خلال اتّصال هاتفي، أن تتوقّف فصائل المقاومة عن استهداف القواعد الأميركية في المنطقة وليس في العراق فقط".
من جهته، يشير المحلّل السياسي، ياسين الكناني، إلى أن الوفد الذي أرسله السوداني إلى إسطنبول قبل أيام، للتفاوض بشأن أزمة الدولار، كان يريد أخْذ الضمانات الكاملة، "قبل أن يذهب وفد ثانٍ إلى واشنطن، ويلتقي مسؤولي الإدارة لحلحلة الأزمة التي افتعلها الأميركيون". ويضيف الكناني، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «السفيرة الأميركية لدى بغداد، آلينا رومانوسكي، «نقلت رسائل من السوداني إلى واشنطن قبل فترة، مفادها بأن العراق مستعدّ للتعاون في محاربة الجهات التي تهرّب الأموال إلى دول الجوار، فضلاً عن أنها مستعدّة لفرض العقوبات المشددة على المُضاربين بالعملة».