القاهرة | لم تكن التغريدات التي كتبها مستشار وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، الكاتب تركي الحمد، حول تحليل الوضع في مصر وانتقاد عرقلة الجيش لأيّ مشروعات أو استثمارات، مجرّد رأي عادي لكاتب يتابع ما يحصل في هذا البلد ويعلّق عليه، بل حملت رسائل ذات دلالات عديدة، خصوصاً في ظلّ ازدياد التوتّر بين القاهرة والرياض في الأسابيع الماضية، إلى الدرجة التي جعلت مسؤولين في الأولى يعتقدون أن غياب ابن سلمان عن لقاء أبو ظبي، الأسبوع الماضي، جاء نتيجة تدهوُر علاقته بالرئيس عبد الفتاح السيسي. وكانت تقارير استخباراتية، جرى تسريبها في الأسابيع الماضية، تحدّثت عن تشدّد مصري في ملفّ تسليم جزيرتَي تيران وصنافير إلى السعودية، مع انتهاء مهمّة القوّات الأميركية هناك، في ما يُعزى إلى تحفُّظ القاهرة على تجميد جزء من المساعدات العسكرية الأميركية التي كانت تُمنح لها بموجب «اتّفاقية كامب ديفيد»، في أعقاب التسليم المنتظَر.وتشعر السعودية، أكثر من أيّ وقت مضى، بأن الجيش المصري يضع «فيتو» على الكثير من الملفّات المتّصلة بها، ليس ربطاً بالاستثمارات حصراً، وإنّما أيضاً بالتعاون العسكري بين الجانبَين. وكانت المملكة توقّفت عن تقديم المساعدات المالية غير المشروطة لمصر، وهو ما ترى فيه الأخيرة محاولة للتدخّل في شؤونها، خصوصاً في ظلّ مساعي ابن سلمان إلى تسيّد حلفائه في المنطقة. وعلى رغم أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حاول التعامل مع تلك المساعي بشيء من الاستيعاب والقبول، إلّا أن الأمور لم تَسِر بينه وبين حليفته كما أراد، بل إن خطَّيهما افترقا في ملفّات مهمّة وحيوية عديدة، خصوصاً على مستوى القضية الفلسطينية، أو العلاقات مع واشنطن التي تتمسّك بها القاهرة وتشتغل على تنميتها. وفي هذا المجال، يعتقد السيسي أن ثمّة في السياسات السعودية ما هو مضرّ بالمصالح المصرية والعربية، ولا سيّما لناحية المراهنة على اختبار ردّة فعل الإدارة الأميركية تجاه مواقف مفاجئة، والذي يَعتبر النظام المصري أنه لا لا يملك «رفاهية» المغامرة فيه.
والظاهر أن الرياض حزمت، على ما يبدو، أمرها، بأن لا دعمَ مجدّداً للقاهرة من دون تنازلات مصرية، لا لناحية السماح لها فقط بالاستحواذ على شركات عملاقة، وإنّما أيضاً ربْطاً بمواقف سياسية تريد المملكة إلزام مصر بها. مع ذلك، يُواصل «صندوق الاستثمارات السعودي» تحرّكاته نحو ضخّ المزيد من الأموال في الاقتصاد المصري، خصوصاً عبر الاستحواذ على حصص في شركات رابحة، سواء بشكل منفرد أو بالتنسيق مع الصندوق الإماراتي، في وقت يُتوقّع فيه أن تعلن الحكومة المصرية، قريباً، هويّات الشركات التي ستَطرح حصصاً منها للقطاع الخاص. على أن محور الخلاف هنا، يتركّز في تطلّع السعودية إلى السيطرة على جهات ناجحة، وليس الارتضاء بما تَعرضه عليها مصر، وتعتقد الأولى أن الأخيرة تريد توريطها به. كما تبدي المملكة استعدادها لضخّ المبالغ المالية المطلوبة دفعة واحدة في شريان الاقتصاد المصري، بشرط أن تحصل على ما تريده من استثمارات تضْمن لها عوائد مستمرّة. وعلى رغم امتعاض القاهرة من تلك الضغوط، إلّا أنها لا تملك، حتى الآن، على ما يبدو، خيار رفْض العروض السعودية، في ظلّ الوضع الاقتصادي المتردّي، واستمرار تدهوُر قيمة الجنيه، والالتزام المصري تجاه «صندوق النقد الدولي» بالمضيّ في عمليات البيع، ولا سيما أن الرياض تبْقى، مقارنة بالدوحة وأبو ظبي اللتَين تطرحان مشروطيّات أقلّ، الأقدر على انتشال مصر من أزمتها بسرعة.