غزة | مع القصف الإسرائيلي المكثف والمجازر المتواصلة، قرر من نجا أن يهرب بعائلته إلى أكثر مكان يظن أنه آمن. ذهبوا بأيديهم الفارغة لتستقبلهم بيوت الأقرباء أو مدارس وكالة الغوث «الأونروا» مع قليل من الفراش والغذاء. هذه حال العائلات التي تقطن قطاع غزة من الأصل واستطاعت أن تتأقلم مع ظروف الحرب السيئة. لكن هنالك من دخل غزة منذ سنة أو اثنتين هرباً من حرب دائرة في سوريا، ليجد حرباً أخرى لا تفرق بين أحد، وهؤلاء لا قرابة لهم هنا ليعينوهم على شقاء الهجرة مجدداً.
يمكن أن تشاهد في غزة بيتاً يضم ثلاث عائلات، لكن أن يتحمل المنزل خمس أسر فيها 35 فرداً؟ من هذه البيوت واحد يسكن فيه أحد النازحين من فلسطينيي سوريا (خرجوا من فلسطين في أعوام النكبة) واسمه خاطر الجمالي. يتوزعون على ثلاث غرف ضيقة تنام فيها النساء والأطفال، فيما الرجال داخل صالون البيت وحتى داخل المطبخ.
بعدما نزحوا من منزلهم الذي كانوا يستأجرونه في غزة وتعرض للقصف، لم يبق لهم مع ضيق الحال سوى بعض الفول والعدس لإطعام أطفالهم. منذ ما قبل الحرب وهذه العائلات التي أتت من سوريا تعاني شح المال، فلا عمل ولا جهة رسمية تؤمن لهم مسلتزماتهم، لذلك اختاروا أن يسكنوا في بيوت رخيصة الإيجار، ومثل هذه البيوت توجد في المناطق الحدودية كالشجاعية شرق غزة، وبيت لاهيا شمال القطاع، لكنهم حينما نزحوا لم يجدوا ذوي قربى يأوون إليهم.
يقول الجمالي: «بعد هربنا من الأحداث السورية منذ أكثر من عام، حاولنا اللجوء إلى عدة بلدان، لكننا أخيراً وصلنا غزة التي عشنا فيها الفقر وغياب أي فرصة عمل»، ويكمل: «مع بداية الحرب تواصل معي عدد من العائلات السورية ليطمئنوا علينا وتسألنا عن الحرب في غزة، وهل تشبه التي في سوريا».
ويؤكد النازح الفلسطيني ــ السوري أنه لا يوجد في منزله سوى البقوليات التي لا تكاد تداري جوع أطفاله ومن معه في البيت. وفي رمضان كانوا يعتمدون وجبة الإفطار فقط دون السحور حتى يوفروا الطعام ليجدوه في اليوم التالي. ويشرح أنه مع الحرب توقفت الجهود التطوعية التي كانت بعض المؤسسات والناشطين يساعدون بها الناس في ظل استهداف السيارات والمواطنين.
لم يكن في بال هذه العائلات السورية أن تبدأ حرب أخرى في غزة بعدما هربوا من حرب في بلدهم التي نزحوا إليها من فلسطين المحتلة، وها هم يسجلون النزوح الثالث لهم في أقل من جيلين. هنا أيضاً تعرفوا إلى معنى الحصار والفقر، ومع كل قذيفة إسرائيلية يتذكرون قذائف الجماعات المسلحة كيف كانت تسقط عليهم، فيزيد خوفهم وتتجمع العائلة وتغطي نفسها كأنها عبثاً تحاول حماية أبنائها من الموت. يضيف الجمالي: «لم نكن نريد أن نخسر أطفالنا في الأحداث السورية ولا نريد أن نفقدهم هنا».
كذلك، فإن عائلة راضي سورية الأصل وتقطن في مخيم الشاطئ (غرب). هذه العائلة جمعت من حولها من تعرفه من العائلات النازحة من سوريا واستقبلتها داخل منزلها الذي اتسع لهم، لكنها هي الأخرى تعتمد على قليل من الأطعمة. تقول أم فؤاد راضي: «استطعنا تأمين مكان لبعض العائلات، لكننا نقلص كميات الطعام الذي نأكله لنطعم غيرنا». وتشير المرأة إلى أنه منذ بداية الحرب لم يستقبل بيتها أي دعم أو معونة، لافتة إلى غياب الجمعيات التي كانت تحضر لها مساعدات سابقاً.
في السياق، يقول المتحدث باسم العائلات السورية في غزة، عاطف العيماوي، إن معظم هذه العائلات تتجمع في الوقت الحالي بعضها مع بعض لأن لا أقرباء لها هنا، «وهي لغاية الآن لا تعلم كيف تتدبر أمورها إذا طالت الحرب». ويضيف العيماوي لـ«الأخبار»: «في غزة 400 عائلة هربت من سوريا، ومنهم فلسطينيون لاجئون أو حتى سوريو الأصل».