سيناء | سيناء تسير نحو المجهول. حقيقة بات يعيها السيناويون جيداً بعدما أصبح الانفلات الأمني واقعاً معيشاً زادته آثار الحرب على غزة، وذلك وسط تراخٍ مريب من الجهات المسؤولة، يظهر إثر كل حادث. يقول محمد السواركة، أحد أبناء قرية «الشلاق» (جنوب شرق العريش)، إن التجاوزات الأمنيّة التي تستهدف المدنيّين في سيناء بدأت فور بدء الحملات العسكرية. وتزامن ذلك مع تعطيل المصالح الحكومية والمصارف نتيجة انقطاع يومي لشبكات الاتصال والإنترنت لمدد تراوح ما بين ثماني ساعات و14 ساعة يومياً. ­

وتبع ذلك جرف الآلاف من أشجار الزيتون في محيط الطريق الدولي من العريش حتى رفح على مسافة خمسين كيلومتراً، وكذلك الأراضي الواقعة على طريق المحافظة ـــ المطار على مسافة 15 كيلومتراً.
يشرح السواركة لـ«الأخبار»، أن الأهالي حاولوا استفهام سبب جرف أشجارهم من الجيش، فأطلق أحد الضباط النار فوق رؤوسنا، قائلاً إن من سيتلفظ بأي كلمة سيعدّ مساعداً للإرهابيّين. ويضيف: «لم يكن منا إلا الصمت، برغم أن هذه الأشجار هي مصدر رزقنا الوحيد منذ أربعين سنة في ظلّ غياب الدولة عنا».
توجهت «الأخبار» إلى قرى جنوب الشيخ زويد ورفح، حيث تجري العمليات العسكرية. السائق الذي قادنا إلى شرق العريش، لم يخفِ قلقه من الرحلة، حيث أكد أن الجيش سبق أن اعتقل صحافياً في المنطقة، مدعياً أنه إرهابي، «لأنه كان ينقل معاناة الناس».


جرفت آلاف
أشجار الزيتون في محيط الطريق الدولية من العريش حتى رفح

يسكت السائق قليلاً كمن يحاول السيطرة على قلقه، ثم يتابع: «منذ بدء العمليات العسكريّة نسلك طرقاً التفافيّة صحراويّة بعيدة من نقاط التفتيش، وفيما تلوح نهاية الطريق الالتفافي عند قرى جنوب الشيخ بوضوح بسبب آثار الآليات العسكريّة، تظهر إلى جانبه مئات أشجار الزيتون اليابسة».
نصل إلى قرية «اللفيتات» التي تقع جنوب الشيخ زويد. هذه القرية يعدّها الأهالي شاهداً على قسوة الحرب على الإرهاب. فهي خلت من السكان بفعل هجرة الأهالي منها، بعدما قصفها الجيش بمروحيات الأباتشي. في وسط القرية، يظهر مبنى الوحدة الصحية، الذي استهدف بقذائف الدبابات. وفي فنائه، ركنت سيارة محترقة يقول الأهالي إنها لطبيب الوحدة، الذي اعتقله الجيش بتهمة «تقديم العلاج لعناصر تكفيريّين» أصيبوا أثناء العمليات العسكريّة.
يقول رجل يدعى سليمان: «كنا نعتقد أن الجيش جاء لإنقاذنا من الفكر المتطرّف والإرهاب، لكننا فوجئنا بأنهما وجهان لعملة واحدة»، مضيفاً أن الجيش «جاء لقتل الحياة في منطقتنا». كلام الرجل يبدو منطقياً، إذ لا ملامح للحياة في قرية اللفيتات. حتى الحيوانات لم يسمحوا لها بالبقاء، الأباتشي تقصف القرية بصورة شبه يومية، لتصل محصلة أسبوع واحد من القصف، إلى أكثر من مئتي قذيفة صاروخية من طراز «هيل فاير».
لا ينكر الرجل السيناوي وجود عناصر متطرفين في قرية اللفيتات. «هؤلاء مسلحون من أبناء القرية، لكنهم هربوا مذ بدأت العمليات العسكريّة، لكن الجيش جاء ليستهدف المسالمين، ولإجبارهم على الالتحاق بهؤلاء». متابعاً: «الجيش يحارب الإرهاب بالإرهاب».
يروي سليمان عن قصف الجيش لأحد منازل المنطقة في أيلول الماضي، فيقول: «وجدنا في المنزل بعد القصف جثث أم وأربعة أطفال». ويسأل: «هل سينسى أقاربهم هذا الموقف»، مضيفاً أن «الأطفال الذين يشاهدون الظلم الذي تمارسه الدولة، سيحملون يوماً ما السلاح في وجهها».

يؤخذ على أجهزة
الأمن غياب آليّة مرافقة لتخفيف آثار الحملات على الأهالي الأبرياء

ويأخذ الناشطون المحليّون على أجهزة الأمن غياب آليّة مرافقة لتخفيف آثار الحملات الأمنيّة على الأهالي الأبرياء، إذ إن باب التعويضات التي وعد بها المشير عبد الفتاح السيسي، قبل توليه الرئاسة، في أحد لقاءاته في القاهرة، ما زال موصداً، على الرغم من أن وكيل وزارة الزراعة في شمال سيناء، قال في لقاء إعلامي إنه جرى حصر الزراعات التي تضرّرت نتيجة الحملات الأمنيّة، فيما الأهالي يتحدّثون عن بذل محاولات لتخفيف الآثار الناجمة عن الحرب على الإرهاب.
ووفق شهود عيان من أبناء شمال سيناء، فإن قوات أمن شمال سيناء تواصل إغلاق 5 ميادين رئيسية مهمة في مدن العريش والشيخ زويد، هي ميادين المالح والنافورة بالعريش وميدان الشيخ زويد، والجورة بمدينة الشيخ زويد والماسورة برفح، وتواصل إغلاق شوارع رئيسية تمر بجوار مقار أمنية، فضلاً عن إغلاق محيط مقار أجهزة الأمن ومحيط مديرية أمن شمال سيناء، وأقسام الشرطة والمرور والنجدة والديوان العام للمحافظة ومجالس المدن.
وقد أصدر المرصد المصري للحقوق والحريات تقريراً عن عمليات الجيش المصري في شمال سيناء، تحدّث فيه عما سماه «انتهاكات ممنهجة ترتكبها القوات المسلحة المصرية هناك». وكشف التقرير، الذي حمل عنوان «حينما تصبح الجرائم مجرّد أرقام وبيانات»، أن العمليات الميدانية في شمال سيناء أدّت إلى مقتل 200 شخص واعتقال نحو 1500 آخرين، إضافة إلى هدم أكثر من 350 منزلاً منذ الثالث من تموز.
وتحدّث التقرير، الذي تزامن صدوره مع الذكرى الثانية والثلاثين لتحرير سيناء، عن مخالفة العمليات العسكرية في المنطقة لـ«القوانين والمبادئ القانونيّة، ما يحوّلها إلى جرائم ضدّ الإنسانية».
إلى ذلك، يرى أهالي سيناء أن حالهم يزداد سوءاً مع استمرار العمليات العسكرية، على حد قول سليمان حمدان، وهو أحد أهالي الشيخ زويد، الذي يضيف قائلاً: «كلما وعدتنا الدولة بالتنمية وبإزالة التهميش، ازداد الرصاص العشوائي باتجاه منازلنا يومياً».
من جهته، يصف الناشط السياسي سعيد عتيق ما يحدث في سيناء بأنه «مخطط كبير لبيع شبه الجزيرة لجهات سياسية معلومة، وبعملية متفق على سعرها من قبل جهات داخل الوطن»، مؤكداً أنهم لن يسمحوا بمرور ذلك المخطط. وأضاف عتيق أن «أبناء سيناء الشرفاء» سيتحدون ضد كل المخربين ومثيري الفتن.
ويؤكد الكاتب والناشط السياسي مسعد أبو فجر أن الحلّ الوحيد لاستقرار سيناء يتمثل فى «ترجمة أجندة الثورة فوراً في هذه المنطقة»، بواسطة انتخاب القيادات السياسية والمجالس المحلية وشيوخ القبائل. ودعا أبو فجر إلى إعادة هيكلة وزارة الداخلية، بحيث تتبع مديرية أمن شمال سيناء المحافظ، مؤكداً أنه إذا لم يحصل ذلك «فسنشهد مزيداً من التدهور».




حماية لأرواح الجنود

أفاد مصدر أمني بأن إغلاق ميادين وشوارع في مدن شمال سيناء يأتي بالتزامن مع إجراءات أمنية لحماية أرواح الجنود في مختلف النقاط الأمنية من الهجمات الإرهابية.
وأشار المصدر إلى أن هناك مخططات يجري تنفيذها على الأرض لفصل سيناء عن مصر، من خلال المزيد من الهجمات الدموية والعنف وخطف المزيد من الأهالي، وقتل المواطنين برصاص الشرطة، فضلاً عن رفع حالة التوتر بين الأهالي والأمن. وأكد المصدر أن الحل لن يأتي إلا من طريق الشعب المصري، وتحويل قضية سيناء إلى قضية رأي العام، واتخاذ قرارات ثورية عن طريق تنميتها فوراً، لا بمجرد مسكنات مؤقتة.