بغداد | اختتم رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، زيارة له إلى فرنسا، جرى خلالها التوقيع على «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية» التي تشمل مجالات مكافحة الفساد والأمن والطاقة المتجدّدة، وسط حديث أيضاً عن وساطة طلَبها السوداني من باريس، لدى واشنطن، بهدف حمْل الأخيرة على تخفيف إجراءاتها التقييدية الأخيرة على العراق. وتشكّل زيارة رئيس الحكومة لفرنسا، محطّة جديدة في سلسلة جولاته الخارجية التي بدأها منذ تولّيه منصبه، والتي يُفترض أن تتوَّج بزيارة إلى الولايات المتحدة، في إطار سعي السوداني إلى كسْر الجمود الديبلوماسي، وتعزيز الانفتاح على جميع الأطراف الإقليمية والدولية، والابتعاد عن ما يسمّيها «سياسة الاستقطابات والمحاور»
حطّ رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، رحاله في فرنسا، متطلّعاً إلى إحياء اتّفاقات اقتصادية وأمنية وعسكرية بين بغداد وباريس. وبالفعل، جرى، في خلال الزيارة التي استمرّت يوماً واحداً، توقيع «اتّفاقية الشراكة الاستراتيجية» التي تهدف إلى «تحقيق المصالح المشتركة على قاعدة المساواة في السيادة والحقوق، وبما يتوافق مع مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية»، وفق ما أعلن الإليزيه، بينما أوضح السوداني أن هذه الاتّفاقية «تضع خريطة طريق لتوسيع أفق التعاون بين بلدَينا في مختلف المجالات». وتُعدّ زيارة رئيس الحكومة لفرنسا سابع رحلة خارجية يجريها منذ تولّي حكومته مهامّها قبل ثلاثة أشهر، بعد زياراته إلى ألمانيا وإيران والأردن والسعودية والكويت وقطر، فيما تضع مصادر سياسية تفعيل ملفّ العلاقات الخارجية وإعطاءه أهمية قصوى، ضمن سعي الرجل لنفي تصنيف «كابينته» ضمن المحاور السياسية في المنطقة. ويُنتظر أن يتوّج السوداني جولاته تلك برحلة إلى واشنطن، يُتوقّع أن يَجري خلالها حسْم الكثير من الخلافات، بعدما أعلنت الولايات المتحدة دعْمها لحكومته في البداية، ثمّ أثارت الكثير من الأسئلة حول هذا الدعم بفرْضها قيوداً على التحويلات الدولارية منها إلى العراق. وكان مصدر رفيع المستوى في مجلس النواب العراقي أكد، لـ«الأخبار»، نيّة السوداني طلَب وساطة فرنسية من أجل تحديد موعد زيارة قريبة له إلى واشنطن، لبحث أزمة الدولار والقيود الأميركية على الحوالات.
ويرى مصدر حكومي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث إلى «الأخبار»، أن «زيارة السوداني إلى باريس ستعود بنتائج إيجابية على العراق، وذلك لأنها تشمل اتّفاقات كبيرة تخصّ الأمن ومعالجة الغاز المستخرَج من النفط الخام والتخطيط لبناء محطّات طاقة في محافظات العراق». ويَلفت المصدر إلى أن «السوداني طامحٌ إلى شراء طائرات ومقاتلات عسكرية متطوّرة من فرنسا، فضلاً عن استئناف اتّفاقات سابقة مع شركة توتال للطاقة والتعاون معها»، مبيّناً أن «جدول المحادثات مع (الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون شمل قضايا إقليمية مهمّة، منها مواصلة الحوار وتقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران، من باب تأمين المنطقة الإقليمية من الصراعات والتجاذبات المشتعلة منذ سنوات». وكان السوداني أكد، في مقابلات مع وسائل إعلام أجنبية، أن حكومته ستسعى إلى تفعيل الاتّفاقات المُبرَمة مع فرنسا، خصوصاً في قطاعات النقل والطاقة والاستثمار، وفي مجال شراء السلاح والتدريب وتطوير قدرات العنصر الأمني العراقي.
زيارات السوداني إلى الدول الأوروبية مقدّمة للرحلة المتوقّعة إلى واشنطن


من جهته، يوافق رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عامر الفائز، على أن زيارة السوداني إلى فرنسا هي «تكملة لسلسلة زيارات يقوم بها ضمن برنامجه الحكومي، بهدف الانفتاح على دول العالم بشكل عام، ولغرض إرجاع العراق إلى مكانته الريادية». ويرى، في تصريح إلى «الأخبار»، أن رئيس الحكومة يسعى إلى الاستفادة من «أصدقاء العراق» في ما يتعلّق بالتطوير الاقتصادي والصناعي والزراعي وغيرها من المجالات، مضيفاً أن الحكومة ضدّ ما سمّاها «سياسة المحاور الإقليمية والدولية»، وهي تعمل «باعتدال» مع جميع الدول - بما فيها إيران والولايات المتحدة والدول الأخرى -، وكذلك على عودة الهدوء إلى المنطقة من خلال توثيق علاقاتها بشكل متوازن مع جميع الأطراف.
وفي الاتّجاه نفسه، يرى المحلّل، واثق الجابري، أن «حكومة السوداني دأبت على سياسة اليد المفتوحة وتنويع الديبلوماسية من أجل تحقيق شراكات وتعاون في مجالات متنوّعة بحسب المصلحة المتبادَلة للبلدَين». ويَعتبر أن «الحكومة تُحقّق، بالنتيجة، حلولاً في بعض الملفّات، وبالذات في مجال البنى التحتية»، لافتاً إلى أن «العالم فيه متغيّرات كبيرة، لذلك فإن تنويع العلاقات يُخرج العراق من الهيمنة الأميركية، ويبعده عن الضغوط التي جعلت من أرضه ساحة لتصفية الخلافات الإقليمية والدولية. ومن هنا، يسعى السوداني إلى الاتّفاق مع الشركات الرصينة لأنه يدرك أن الاتّفاقات مع غيرها تؤثّر بشكلٍ سلبي على الاقتصاد العراقي». ويضيف أن الحكومة «تُجري تفاهمات مع فرنسا بخصوص الطاقة والطرق، لن تكون بروتوكولية فقط؛ إذ جرى رصْد أموال لذلك. وبالتالي، ستكون الاتّفاقات مباشرة، ومن دون المرور بالروتين والابتزاز والفساد الإداري».
في المقابل، يشير الصحافي والكاتب المقيم في باريس، علي نصر الدين، إلى أن «العراق يبحث عن استثمارات فرنسية، وهذا ما سيكون من الصعب على الحكومة الفرنسية التحكّم فيه، لأن القطاع الخاص هو المستثمر الأساسي، وقد لا يتجاوب مع طلب السلطات الفرنسية الرسمية، بسبب عدم الاستقرار على الساحة العراقية»، لافتاً إلى أن «المحور الثاني الرئيس لزيارة السوداني هو الطاقة، من غاز ونفط، كون فرنسا بحاجة إلى هاتَين المادتَين خصوصاً بعد حرب أوكرانيا وروسيا». أمّا أستاذ العلاقات الدولية، عمر عبد الستار، فيقلّل من أهمية الزيارة، إذ إن «اختلال التوازنات الدولية والإقليمية سينعكس سلباً على جهود السوداني في ضبْط إيقاعها، والتي قد لا تأتي بنتيجة إيجابية للعراق أوّلاً والمنطقة ثانياً». ويعتقد عبد الستار أن «تحرّكات الحكومة العراقية في ملفّ السياسة الخارجية هي بمثابة صيحة في واد». كما يرى أن «سياسة ماكرون في المنطقة واضحة، وتقوم على تقليم النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، وهذا ما تحدّث عنه خلال لقاء عقَده معه بعض الصحافيين».