غزة | استيقظ مخيّم جنين، أمس، على وقائع مجزرة، أعادت إلى الأذهان وقائع ملحمة نيسان 2002. إذ اقتحم المئات من جنودِ أربعِ وحدات عسكرية متخصّصة في جيش الاحتلال، قلْب المخيّم، بقيادة قائد فرقة جنين، ومساندة أسراب من الطائرات المسيّرة المقاتلة، كانت مستعدّة لإطلاق النار «من دون تردّد إذا استدعت الضرورة»، وفق إفادةٍ قدّمها ضابط إسرائيلي للصحافيين. تَمثّل الهدف من العملية الدامية التي أدّت إلى استشهاد عشرة مواطنين، في «إحباط قنبلة موقوتة» تابعة لـ«الجهاد الإسلامي»، كانت على مسافة خطوة من تنفيذ «هجوم خطير داخل إسرائيل»، بحسب زعْم ضابط في جهاز «الشاباك». وعليه، فقد تمكّن جيش الاحتلال، وفق ادّعائه، من إغلاق دائرة الخلية التي استعدّت لتنفيذ الهجوم في «إطار زمني فوري».طِبقاً للإيجاز الذي قدّمه الضابط الإسرائيلي المذكور للصحافيين، فإنه، مع بدء العملية، فعّل المقاومون «صفّارات الإنذار»، ونشروا 30 حاجزاً، لتدور مواجهات عنيفة أطلق خلالها عناصر «كتيبة جنين» النار على الآليات التي شاركت في الهجوم، بما فيها الجيب العسكري لقائد منطقة جنين، فيما استخدم جيش الاحتلال أسلوب «طنجرة الضغط» ضدّ مبنى تحصّن فيه ثلاثة من عناصر «سرايا القدس»، هم أبناء العقيد في جهاز الأمن الوطني، المعتقَل في سجون الاحتلال سامي غنيم، نور ومحمد وأحمد. وتُبيّن مصادر في المقاومة، في حديث إلى «الأخبار»، أن الاحتلال كان يضع في مخطّطه اعتقال أحد قادة حركة «الجهاد الإسلامي»، بالإضافة إلى المطارَد ماهر تركمان، والد الشهيد محمد، الذي كان قد نفّذ برفقة نجله وابن شقيقه عملية الأغوار في مطلع أيلول الماضي. وبحسب المصدر ذاته، فإن قوّة إسرائيلية خاصة تسلّلت إلى المخيّم، مُستقِلّةً شاحنة مشابهة لشاحنات شركة «الجنيدي» الشهيرة للألبان، وقد اكتشفها عناصر المقاومة قبل أن تشْرع في تنفيذ عمليتها، وبادروا إلى مهاجمتها بصليات كثيفة من الرصاص، ما استدعى استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة، أبدت ردّة فعل عنيفة، حيث بادر القنّاصة الذين حملتْهم إلى استهداف كلّ ما هو متحرّك، متسبّبين بوقوع عدد كبير من الشهداء.
واحدة من أهمّ ركائز العمل الأمني في الضفة الغربية المحتلّة، هي الاقتصاد في إيقاع الضحايا


وأنبأ السلوك الإعلامي الإسرائيلي الذي أعقب الحدث، لجهة عقْد مؤتمر صحافي وتقديم إفادة تضمّنت قدْراً كبيراً من التهويل حول مُجريات «العملية المعقّدة» ونِتاجاتها، بمحاولة لتبرير عدد الشهداء الكبير، وخصوصاً أن واحدة من أهمّ ركائز العمل الأمني في الضفة الغربية المحتلّة، هي الاقتصاد في إيقاع الضحايا، كي لا تقود «عمليات القضم الجراحية» إلى تزخيم ردود الفعل، ودفْع الشارع إلى الانخراط بشكل أوسع في خلايا المقاومة. غير أن كلمة السرّ التي حرّكت جيش الاحتلال بكلّ تلك الاندفاعة، هي، في الواقع، تمكُّن المقاومة في جنين من الخروج من دائرة الفعل المحصور في حيّز جغرافي مضبوط ومراقَب هو مخيّم جنين، إلى مساحات جديدة. ففي خلال الشهور الماضية، بدا لافتاً أن خلايا مِن مِثل «كتيبة جبع»، «مجموعات برقين»، «مجموعات اليامون، يعبد، قباطية»، هي التي تتصدّر المشهد، في ما يمثّل نجاحاً لافتاً استطاعت من خلاله «كتيبة جنين»، تخفيف الضغط عن نفسها، وتشتيت الجهد الأمني الإسرائيلي نحو مساحات الأرياف، التي ظلّت حتى منتصف عام 2022 خارج حسابات التهديد.
وعليه، تُقرأ العملية الإسرائيلية في جنين، والتي استهدفت مَن قال الاحتلال إنهم «قادة مجموعات برقين»، في سياق الهاجس الأمني الذي أحدث فارقاً في مستوى التهديد، إذ إن انخراط مُقاوِمي الريف في جنين ونابلس، والذين يمتلكون هامشاً أكبر في التحرّك والعمل الميداني ممّا هو متوافر لدى مُقاوِمي جنين، في دائرة الاشتباك، يعني أن فعّالية العمل العسكري في الضفة الغربية ستنتقل في الفترة المقبلة إلى مستوى أكثر تعقيداً، وهذا ما يمثّل أحد أسوأ الكوابيس التي لا يحبّ قادة المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية أن يروها، حتى في منامهم.