الخرطوم | انتقلت العملية السياسية في السودان، والتي من المفترض أن تقود إلى استعادة «الحُكم المدني الديموقراطي»، إلى مربّع المرحلة النهائية بقيادة القوى السياسية نفسها التي وقّعت على «الاتفاق الإطاري» مطلع كانون الأول الماضي، وسط معارضة من «الشارع الثوري» وبعض المكوّنات المعارِضة التي ترفض مبدأ الجلوس والتفاوض مع المكوّن العسكري مرّة أخرى. وستَجري، خلال هذه المرحلة النهائية التي انطلقت الأحد الماضي، مناقشة خمس قضايا لم يتمّ حسمها في الاتفاق المبدئي، وأُرجئت إلى حين حصول توافق حولها بين «أصحاب المصلحة»، علماً أن الديباجة الرئيسة لـ«الإطاري» تحمل عنوان «إبعاد العسكر عن السياسة وبناء مؤسّسات الحكومة الانتقالية». وتتصدّر قضيةُ «لجنة إزالة تمكين نظام 30 يونيو» قائمة تلك القضايا، بعدما ظلّت اللجنة مستهدَفة من قِبَل أفراد النظام السابق، بل إن طبيعة عملها مثّلت أحد الأسباب التي دفعت العسكر إلى الانقلاب على الحكومة المدنية، ليَجري مذّاك تجميد عملها، على الرغم من أنها عملت بوتيرة متسارعة في عهد عبدالله حمدوك، وتسبّبت قراراتها بتجميد أرصدة الكثير من الأفراد والواجهات المالية لمنسوبي نظام عمر البشير. غير أن رئيس «إزالة التمكين» بالإنابة وعضو «مجلس السيادة» السابق، محمد الفكي، رأى أن «اللجنة في مرحلتها الثانية ستجد الدعم، وستكون أكثر قوّة ومتانة، لأنها ستعمل في ظلّ حكومة مدنية خالصة»، مضيفاً في كلمته في «مؤتمر خارطة الطريق لتجديد تفكيك نظام 30 يونيو»، أن «اللجنة ستكون متناغمة مع بقية أجهزة الدولة المدنية»، متابعاً أن «الإخفاقات التي صاحبت عملها سابقاً، مردّها أنها جسم ثوري يعمل في وسط بيروقراطي مقيَّد بالقوانين ووجود الدولة العميقة، كما أنها كانت محاطة بتعقيدات الشراكة بين العسكر والمدنيين». وشدّد الفكي على ضرورة استرداد كلّ الأموال التي نُهبت، وذلك بعد مراجعة دقيقة لحجمها، إضافة إلى «ضرورة تفكيك سيطرة الحزب الواحد واسترداد الدولة من الحزب الواحد».وكان جرى ترحيل ملفّ «إزالة التمكين» إلى المرحلة الثانية من «الاتفاق الإطاري»، بالنظر إلى أن العسكر يرون أن عملية استرداد الأموال يجب أن تتمّ عبر القضاء ومؤسّسات التقاضي المختلفة وليس عبر لجنة. وعلى الرغم من تجدّد الحراك المتّصل بهذا الملفّ، إلّا أن محلّلين يرون أن أي تسوية في ذلك الشأن ستكون عارية من ضمانات تنفيذها، خاصة من طرف العسكر الذين يراهنون على قوّة السلاح في رفْض أو قبول أيّ توافق قد لا يلبّي مصالحهم. ويَعتبر المحلّل السياسي، أمير بابكر، أن «قبول العسكر الجلوس مع القوى المدنية جاء نتيجة ضغط المجتمع الدولي، وتراجُع مواقف المحاور الإقليمية التي كانت ترى مصالحها في استمرار العسكر منفرداً في الحُكم». ولا يستبعد بابكر «استمرار محاولات القوى الداخلية والخارجية التي لا تؤمن بالتحوّل الديموقراطي لعرقلة مسار الانتقال»، عادّاً «إرادة الشعب هي الضامن الرئيس لقطع الطريق أمام أيّ محاولة للانقلاب على السلطة المدنية».
في المقابل، أعلنت «الكتلة الديموقراطية» رفْضها الخطوات الجارية في إطار استكمال العملية السياسية، ملوّحةً بأنها «ستُحرّك قواعدها لإسقاط الاتفاق الإطاري». وقال القيادي في الكتلة، مصطفى طمبور، في مؤتمر صحافي، إنه «في حال استمّر الطرف الآخر في المُضيّ قُدُماً، ستكون خياراتنا مفتوحة»، لافتاً إلى أن «الكتلة تمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة تؤيّد موقفها الرافض للاتفاق». وفي الاتّجاه نفسه، عدّ رئيس حركة «جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، في تغريدة على «تويتر»، «تدشين المرحلة النهائية في وقت يَجري فيه الحوار مع المجلس المركزي للحرية والتغيير، بتسهيل من المكوّن العسكري، إشارة سلبية وإظهاراً لروح أُحادية». وأشار مناوي إلى أن «قوى الحرية والتغيير استثنت "تحرير السودان» و«حركة العدل والمساواة» من النقاش ومحاولة التوصّل إلى نقاط مشتركة لإعادتهما إلى المسار السياسي باعتبار أن الحركتَين من الأطراف المُوقِّعة على "اتفاق سلام جوبا"»، واصفاً في الوقت نفسه «الكتلة الديموقراطية» بأنها «أطراف مصنوعة تمّ استخدامها لإجهاض الحكومة المدنية في وقت سابق».
يندرج ضمن القضايا التي ستتمّ مناقشتها في المرحلة النهائية أيضاً، ملفّ «اتفاق جوبا»


ويندرج ضمن القضايا التي ستتمّ مناقشتها في المرحلة النهاية أيضاً، ملفّ «اتفاق جوبا» وإمكانية إعادة تقييمه في ما يخصّ الامتيازات الممنوحة للحركات المسلّحة بموجبه، علماً أن هذا الاتفاق الذي وُقّع في تشرين الأول 2020 يضمّ خمسة مسارات من ضمنها مسار دارفور. كذلك، تتقدّم قضية العدالة الانتقالية التي ستُطرح للنقاش من خلال مؤتمر يشارك فيه «أصحاب المصلحة من أهالي الشهداء والمفقودين الذين لديهم وحدهم الحقّ في طلب القصاص ومحاسبة القتَلة أو العفو عنهم». أمّا قضية إعادة هيكلة الجيش والقوات الأمنية، فقد كان تمّ تأجيلها هي الأخرى على خلفية تمسّك العسكر بوضع مهمّة إصلاح الجيش تحت إشراف المؤسّسة العسكرية، في مقابل اعتبار المدنيين أن هذه الأخيرة تخلّت في ظلّ النظام السابق عن قوميّتها، وأصبحت مؤسّسة الحزب الواحد، ولذا وجب إخضاعها لإصلاح تحت إشراف قوى مدنية تمهيداً لتكوين جيش مهني قومي. أيضاً، أُجّلت قضية شرق السودان، بما تحويه من تعقيدات سياسية واجتماعية، لمزيد من البحث مع الفصائل المختلفة، بعد أن كانت الحكومة المدنية المُوقّعة على «جوبا للسلام» قد خصّصت لها مساراً منفصلاً في الاتفاق، علماً أن بعضاً من تلك الفصائل ترى أن الاتفاق لا يمثّلها، ما أبقى الإقليم رهين صراعات إثنية لا يبدو أن ثمّة نهاية قريبة لها.