بغداد | سريعاً، حدّد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، موعد زيارته لطهران اليوم، بعد ساعات قليلة على تلقّيه دعوة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ما أوحى بأن الزيارة تتّخذ صِفة العجلة، بسبب ما سُجّل في الأسبوعَين الماضيين من قصف إيراني لمقارّ أحزاب كردية إيرانية معارِضة في إقليم كردستان العراق، تتّهمها طهران بتهريب الأسلحة إلى داخل الجمهورية الإسلامية، والسعي إلى نشْر الفوضى في المناطق الكردية التي تشهد تظاهرات فيها. لكنّ الزيارة تأتي وسط مؤشّرات متزايدة إلى إمكان التوصّل إلى حلّ، لا لِما تشكو منه إيران في ما يتعلّق بعمليات التخريب تلك فقط، وإنّما أيضاً لِما تشكو منه تركيا، إذ يبدو أن السلطات العراقية، التي رفضت الانجرار إلى ما كان يريده «الحزب الديموقراطي الكردستاني» من إدانة لطهران بسبب ذلك القصف، تمكّنت من أن تَفرض على الحزب منطقاً آخر، يقضي بإزالة التهديد الماثل للجمهورية الإسلامية. وفي هذا الإطار، أعلن مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، عقب اجتماع مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، في بغداد، أمس، أن هناك تفاهماً بين بغداد وأربيل بشأن القصف الإيراني، مشيراً إلى أنه سيتمّ تشكيل لجنة عليا للتفاهم مع طهران وأنقرة لإيجاد الحلول المناسبة.لكنّ زيارة السوداني لإيران تبدو مفتوحة على أسئلة تتجاوز القضية الكردية، وتشمل ملفّات أكبر، أبرزها السياسة التي ستنتهجها حكومته على مستوى العلاقات، وتحديداً الخلافات، مع أكثر من دولة مجاورة، وكذلك ملفّ المفاوضات السعودية - الإيرانية التي استضاف رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، عدّة جولات منها في بغداد، ثمّ توقّفت نتيجة تطوّرات خاصة بالعلاقات بين الرياض وطهران. فهل يمكن أن يرِث السوداني وساطة الكاظمي؟ يقول القيادي في «تحالف الفتح»، عائد الهلالي، لـ«الأخبار»، إن «السوداني وحكومته ورِثا كلّ تراكمات المراحل السابقة، وعندما نتحدّث عن ملفّات العلاقات بين العراق وجواره الإقليمي، يجب أن نذهب إلى ما قبل 2003، لا بل إلى بداية تأسيس الدولة العراقية عام 1920، فالمشكلة منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم لم تُحلّ»، مضيفاً أن «عدم الوصول إلى حلّ دفَع إلى الدخول في حروب مباشرة، كما حصل مع إيران والكويت، وما ترتّب عليها من قرارات أممية، منها القرار 598 القاضي بالوقف الفوري للحرب بين العراق وإيران سنة 1987، وكذلك القرار 660 عام 1990 وملحقاته التي تطالب العراق بالانسحاب من الكويت وترسيم الحدود والحصار والتعويضات». ويتابع أنه «حصلت أيضاً حروب غير مباشرة، كما مع السعودية لانضمامها إلى التحالف الذي قادتْه الولايات المتحدة، وأيضاً بسبب مشاكل ترسيم الحدود. أمّا تركيا فلم تكن العلاقات معها في أفضل حال، بسبب العديد من الملفّات، ومنها ملفّ حزب العمال الكردستاني المتمركز في شمال العراق، والذي يسبّب صداعاً مستمرّاً للدولة التركية، وأيضاً موضوع المياه الذي لم يُحلّ إلى الآن على خلفية تعمّد تركيا الإخلال بحصّة العراق المائية».
زيارة السوداني لإيران لن تكون الأخيرة ضمن تحرّكه الإقليمي الذي قاده إلى الأردن والكويت


وعليه، يرى الهلالي أن «هذا النوع من الزيارات ينطلق من الرغبة في تنقية المناخ ما بين العراق والجوار الإقليمي، وذلك بسبب وجود مصالح مشتركة، وشعور الجيران بأن العراق يمكن أن يلعب دوراً إقليمياً ودولياً في تهدئة المشاكل الإقليمية والدولية، لأنه دولة محورية ولاعب كبير في سوق الطاقة العالمي، وأيضاً بسبب موقعه الجغرافي، الذي يُعتبر حلقة الوصل ما بين الشرق الطامح لفرض هيبته الاقتصادية من خلال مشروع الحزام والطريق، وما بين عدم رضى الولايات المتحدة الأميركية عن أن يتحوّل الشرق الأوسط، وقلْبه العراق، إلى محميّات صينية يمكن أن تقوّض الوجود الغربي في هذه المنطقة من العالم». وإذ لن تكون زيارة السوداني لإيران، على أهمّيتها، الأخيرة ضمن تحرّكه الإقليمي الذي قاده الأسبوع الماضي إلى الأردن والكويت؛ إذ سيزور السعودية مطلع الشهر المقبل لحضور القمّة العربية - الصينية، فإن الأولى تحوز أهمّية خاصة بالنظر إلى «ما حصل في الأيام الأخيرة من قصف إيراني لمناطق في كردستان العراق، وضع حكومة السوداني في حرج شديد، بعد أن كشف مصدر دبلوماسي إيراني كبير أن طهران بعثت، خلال الفترات المنصرمة، بأكثر من برقية إلى الحكومة العراقية تُعلمها فيها بما يثبت أن هؤلاء العناصر يهدّدون الأمن القومي الإيراني، وأن إيران سوف لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يقوم به هؤلاء».