القاهرة | قبل سنوات قليلة، كانت المسؤولة في «المعهد الدنماركي المصري للحوار»، نهى النحاس، تقيم فعاليات «منتدى مصر للإعلام»، وتستضيف معارضين وممنوعين من الحديث على الشاشات، لتثير تساؤلات عن سبب السماح بتنظيمه بسقف عال لم يُتَحْ لأيّ جهة، في حينه. لكن ظهور النحاس لاحقاً في «منتدى شباب العالم» وغيره من الفعاليات المرتبطة بالرئاسة والمخابرات، جلّى الغموض. وجاءت النسخة الجديدة من المنتدى، الذي اختَتم أعماله يوم أمس، باسم «منتدى إعلام مصر»، وبتنظيم ورعاية من المخابرات، ممثّلةً بالشركة التي تديرها ظاهرياً النحاس، بعد ترْكها العمل مع الدنماركيين، وتوقُّف نشاط «المعهد الدنماركي المصري للحوار» في المجال الإعلامي في أعقاب تحفّظات دنماركية على ما يُنظَّم من فعاليات، انتهت باستقالة المسؤولة من منصبها. على أن النسخة الأخيرة لم تحمل جديداً على مستوى المضمون أو الحضور، إذ استُضيفت الشخصيات نفسها، وأضيفت بعض الأسماء المعارِضة، كما سُمح بحضور جعفر عبد الكريم، مقدّم برنامج «شباب توك» على شبكة «دويتشه فيلله»، ليجري تكريمه إلى جانب الصحافي الاستقصائي، محمد أبو الغيط، الذي يخوض صراعاً شرساً مع مرض السرطان، وهو الممنوع من دخول مصر بتهمة الانتماء إلى جماعة «الإخوان المسلمين».وتحاول النحاس، من خلال المنتدى، إظهار وجه آخر لإعلام الدولة؛ فإلى جانب تكريم عبد الكريم وأبو الغيط، تحدث أحمد الطاهري، رئيس قطاع الأخبار في «المجموعة المتحدة» التي تديرها المخابرات، عن نجاح تجربة قناة «القاهرة الإخبارية» في الوصول إلى الجمهور، فيما لم تكمل شهرها الأول بعد. كما أشرف صحافيون ممنوعون من الكتابة في وسائل الإعلام المصرية التي تسيطر عليها المخابرات، على ورش عمل. وسبق هذه الفعاليات بساعات قرار من مجلس إدارة جريدة «الدستور» قضى بفصْل الصحافية إيمان عادل بعد تفتيش الأمن الوطني منزلها، بينما كانت هي في بيروت لدورة تدريبية. وجاءت الملاحقة عقب نشْرها موضوعَين في موقع «درب»، انتقدت فيهما أداء «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين» وهي الكيان السياسي الذي تديره المخابرات ويضمّ برلمانيين.
أكثر من 27 صحافياً وممارساً للعمل الصحافي مسجونون في قضايا مرتبطة بالنشر وحرية الرأي والتعبير


وفي اليوم الأوّل لـ«منتدى إعلام مصر»، وبينما وقف الصحافي علاء الغطريفي، المدير التنفيذي لمؤسسة «أونا» التي فَصلت، قبل أسابيع، مجموعة من الصحافيين بدعوى عدم الالتزام بقواعد العمل، يتحدّث في عرْض اعتاد تقديمه في مِثل هذه الفعاليات، كان عضو مجلس إدارة نقابة الصحافيين، محمود كامل، يَمثل للتحقيق أمام وكيل النائب العام في البلاغ المقدَّم ضدّه من رئيس تحرير صحيفة «الأهرام»، على خلفية ما نشره عبر صفحته في «فايسبوك»، وتضمّن إشارة إلى اتهام ثابت بالمسؤولية عن واقعة انتحار الصحافي عماد الفقي. وتعود القضيّة التي أخْلت فيها النيابة سبيل كامل بالضمان الشخصي، إلى أشهر خلَت، عندما أقدم الصحافي في «الأهرام»، الفقي، على الانتحار في مكتبه في الجريدة، ليَجري سريعاً تجميد التحقيقات في الواقعة التي قال عدد من زملاء الضحية إن الاضطهاد الذي تعرّض له من جانب رئيس التحرير المقرّب من النظام، على مدى سنوات، كان السبب الرئيس وراء إقدامه على هذه الخطوة، التي تُعتبر سابقة.
وفيما لم تُغلق النيابة ملفّ التحقيقات، إلّا أنها لم تحرّكه على نحو فاعل أيضاً، في حين تحدّثت الهيئة الوطنية للصحافة، المسؤولة عن أوضاع الصحف القومية، عن عدم ترقية الصحافي المنتحر منذ عام 2012، وحسْم الكثير من حوافزه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بالإضافة إلى عدم نشْر أيّ موضوعات له منذ عام 2015. لكن التحقيقات التي جرت في مقرّ مكتب النائب العام في القاهرة الجديدة، لم تكن محور مناقشات رؤساء التحرير والصحافيين وحتى طلاب الجامعات الذين جرى استقطابهم إلى فندق الريتز كارلتون، مقرّ انعقاد المنتدى الذي يقدّم نفسه باعتباره واجهة إعلامية للنظام الذي «يستوعب الجميع ولا يرفض المعارضة». وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 27 صحافياً وممارساً للعمل الصحافي مسجونون في قضايا مرتبطة بالنشر وحرية الرأي والتعبير، فيما تقف نقابة الصحافيين عاجزة عن فعل أيّ شيء حيال ذلك، سوى إرسال مناشدات إلى النائب العام والرئاسة المصرية.