يحاور ويناور بقدميه. يتفنن بالمرور والتمرير. يسدّد حيثما أراد ويسجّل بكل أعضاء جسده. كان اسمه تامر. وزنه لا يتجاوز 50 كلغ. طوله أقل من متر ونصف. هو الأفضل وأحد أحاديث الصباح قبل المباراة وبعدها. لقبه «رونالدو المخيم» تيمناً بالظاهرة البرازيلية رونالدو لويس نازاريو دي ليما. ظهر في بادئ الأمر كاحتياطي وبعدها أصبح أساسياً في كل مباراة داخل مخيم عين الحلوة وخارجه، علماً أن سِنه لم تتجاوز 15 عاماً في عام 2002. وعند سؤاله عن حلمه الكروي، كان يجيب أنه يريد تمثيل منتخب فلسطين في كأس العالم، فاللاعب إبراهيم مناصري (لعب في نادي التضامن صور) فعلها وارتدى قميص «الفدائي» وسجّل أسرع هدف في البطولة العربية. حينها كانت انتفاضة الأقصى في أوجها، ومخيمات لبنان تدعم وتساند في التظاهرات اليومية. وقررت اللجنة الرياضة في المخيم، تنظيم دورة في كرة القدم بمشاركة فرق لبنانية. لفت الفتى الصغير النظر فوراً فطلبه نادي النجمة اللبناني ليلعب معه في الدوري. حصل ذلك، فصار يركب الباص العام يومياً بعد المدرسة، لكنه لم يستطع تأمين بدل المواصلات لا سيما وأن النادي تأخّر في دفع المستحقات المالية. ووسط شغفه الكروي وحالة أهله المعيشية اختار أن يترك المدرسة ويتعلم مهنة «فني تلحيم»، وهكذا تحوّل «فنان الفطبول» إلى فن آخر. وبعد أعوام قليلة سافر إلى دولة أفريقية يعمل فيها بألف دولار أميركي. انتهى مشوار «رونالدو الفلسطيني» في الملاعب. ومن المفارقات الغريبة أنه بعد 20 عاماً من تلك المناسبة، كان أحد عمّال الشركات المشاركة في بناء المنشآت في الدوحة. وذلك بعد شرائه جواز سفر كونغولي. وبدلاً من أن يكون لاعباً يمثّل فلسطين أصبح عاملاً كونغولياً باسم عربي. والآن في مكان المونديال كعامل وليس كلاعب. أمّا من يغني أغنية كأس العالم، أي فضل شاكر، يقيم في مخيم عين الحلوة.
■ ■ ■

يقول وزير الدعاية النازية جوزيف غوبلز: «الفوز بمباراة كرة قدم أهم عند العامة من احتلال مدينة». أمّا الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، فسمّى وزارة الشباب والرياضة الفلسطينية «وزارة الدفاع الفلسطينية»، والمنتخبَ الفلسطيني لكرة القدم «كتيبة الصاعقة». فالفوز يدفع في العروق أدرينالين التفوّق ويدب في الروح إمكانية الانتصار، إضافة إلى أن المنتخب الفلسطيني صورة عن الشعب فهو يجمع كل شتاته المقسم والمجزأ سياسياً وجغرافياً وطبقياً. وفي يوم من الأيام، لعلها بعد أعوام ليست كثيرة، تصبح فلسطين محررة مستقلة ودولة قوية. تتحول مع الأردن دولة واحدة فتقدم ملف استضافة كأس العالم لعام 2042 وتفوز بذلك. يأتي العالم كله إلى الأرض المقدسة ويفوز المنتخب الفلسطيني بالبطولة. ربما هذا خيال، لكن الخيال أساسه واقع. والواقع جزء منه خيال.
■ ■ ■

التقليد أفصح صور الاعجاب. ولماذا لا نُعجب بقطر واستضافتها كأس العالم؟ صحيح أنها دفعت أكثر من 200 مليار دولار، وهذا الرقم كفيل بالقضاء على الفقر والبطالة في الوطن العربي، لكن أن تستضيف الدولة الصغيرة هكذا بطولة فهو انجاز كبير على مستوى القوة الناعمة والعلاقات العامة والدعاية وتكوين الصورة في مخيال الكوكب. وأن يحلم فلسطيني بما حلمت به قطر مشروع ولا يحتاج معجزة. والأهم أن لعبة كرة القدم هي ملك الفقراء المظلومين ولو استغلها الأثرياء لزيادة ثرواتهم وتحويل اللاعبين إلى «روبوتات»، وستعود إليهم. وما أجمل أن تكون العودة من فلسطين.