توزعت آراء معلقي الصحف الإسرائيلية أمس بين من رأى في العملية البرية «عملية اللاخيار» ومن دعا إلى النظر إليها بعينَي الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي يرصد الخشية الإسرائيلية من الدخول البري، فيما شكك كتّاب بجدوى العمليات العسكرية أصلاً في تحقيق الانتصارات لإسرائيل، في مقابل من رأى في الحرب الحالية مناورة في «رسم موازين القوى الجديدة في المنطقة».
وكتب آليكس فيشمان في «يديعوت أحرونوت» أنه بعد انطلاق العملية البرية أصبح «المنحدر زلقاً»، مشيراً إلى أن «حكومة إسرائيل قامت بالكثير جداً من المناورات الاستباقية لكي تمتنع عن الدخول البري إلى غزة لأسباب إنسانية واستراتيجية إقليمية. إلا أن «حماس» استدعت هذه الضربة البرية على رأسها ودفعت الحكومة الإسرائيلية غصباً عنها تقريباً، من خلال التحرش والاستفزاز والغطرسة والشعور الخاطئ بالقوة، إلى احتكاك أكثر عنها وأقل رقابة في البر».
ورأى فيشمان أن الأهداف الميدانية للعملية البرية هي معالجة الأنفاق الهجومية التي تحولت إلى تحد عملي له أولوية، أما على المستوى السياسي، فإن «العملية البرية تهدف إلى تفعيل رافعة ضغط على حماس من أجل القبول بوقف إطلاق النار كما عرضه المصريون».
وإذ لفت المحلل العسكري إلى أن العملية العسكرية المحدودة مبنية لعدة أيام فقط، شدد فيشمان على ضرورة الإنتباه إلى أنه «من اللحظة التي يبدأ فيها الإحتكاك على الأرض، فإنه ينطوي على احتمال تدهور نحو اتجاهات لم يرغب فيها أحد».
وتساءل يوسي يهوشواع في «يديعوت أحرونوت» عن جدوى العملية البرية، مشيراً إلى أنّ «من غير المؤكد أن تؤدي إلى الانتصار. فحماس أثبتت خلال الأسبوع الفائت التصميم والمبادرة. والجيش الإسرائيلي لم يفلح من خلال الهجمات الجوية في ردعها، ولذلك أصبحت العملية البرية ضرورية، ليس فقط من أجل معالجة الأنفاق، بل أيضاً من أجل الإظهار للطرف الثاني أن إسرائيل غير مرتدعة من المواجهة وجهاً لوجه».
وذكر الكاتب أنه «في مرحلة ما بعد حرب لبنان الثانية تعهد الجيش الإسرائيلي أنه في أية مواجهة مستقبلية سيكون النصر واضحاً وحاسماً وأن سؤال «من انتصر؟» لن يطرح مرة أخرى. وهذا ما حصل في «الرصاص المصهور» و«عمود السحاب». أما «الجرف الصلب» فيظهر حتى الآن أنه تعادل الذي يعني فعلياً خسارة إسرائيلية». ولذلك، بحسب يهوشواع، فإن «العملية البرية تهدف إلى تغيير هذا الوضع». أضاف الكاتب: «ينبغي التشديد على أنه خلافاً للشعارات التي ترفع حول احتلال القطاع وتصفية حماس، فإن الجيش قدم هذه المرة اقتراحاً بعملية محدودة جداً مع غاية واضحة»، لافتاً إلى أنه «يجب النظر إلى هذه العملية بعينَي حسن نصر الله. فالردع المطول ضده لم يتحقق فقط في حرب 2006، بل أيضاً جراء عملية «الرصاص المصهور» التي أعطته إشارة بأن الماضي لن يتكرر وأن الجيش لا يرتدع عن العمليات البرية». ومضى يهوشواع يشرح كيف أن نصر الله «رأى في عمليتي عمود السحاب والجرف الصلب الخشية الإسرائيلية من الدخول البري وقبل ذلك الصعوبات التي تواجهها الهجمات الجوية في المناطق المأهولة. فسلاح الجو الإسرائيلي ألقى1500 طن متفجرات، لكن عندما ينقشع الغبار، سيطرح السؤال نفسه من أجل ماذا وما هو التحسين الذي جلبه ذلك للوضع الاستراتيجي لإسرائيل، مع 250 قتيلاً حتى الآن». وخلص الكاتب إلى أنه «مقارنة مع التحدي اللبناني الذي من المنتظر أن نواجهه على الساحة الشمالية، يجب أن نوضح أن المواجهة التي نخوضها الآن بسيطة نسبياً».
وفي «هآرتس» انتقد يوآل ماركوس سياسة حكومة بنيامين نتنياهو التي ضيعت فرص التفاوض مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مشيراً إلى أن الحروب التي تخوضها إسرائيل لن تجلب لها السلام بعد الآن. وكتب ماركوس «ليس مهماً كيف تنتهي هذه الحرب ـ بتسوية، بهزيمة، بانتصار أو بشبه انتصار ـ لا مفر من استخدام التعبير المتآكل. لا توجد ضربة وانتهينا. من التجربة نعرف أن كل ضربة ولدت الضربة التالية، وكل تسوية جنبت ضحايا ولّدت الحرب التالية». ورأى الكاتب أن «الأيام التي تباهينا فيها بأن إسرائيل تغلبت على سبعة جيوش لسبع دول عربية انقضت. فإسرائيل مزودة بالطائرات الاكثر تطوراً في العالم، بغواصات وصواريخ عابرة القارات يمكنها أن تدور حول الكرة الأرضية وتعود إلى قواعدها، لكن هذه الصوراريخ أكبر وأكثر تطوراً من أن تحمينا من المقذوفات الصاروخية البدائية لحماس». وتابع: «ليس مهماً أي نوع من الاتفاق يتحقق في نهاية المطاف لإنهاء حملة «الجرف الصامد» ما دام لا يمنع المنظمات الإرهابية بخرقه متى راق لها ذلك، ولا يوقف غزة عن أن تكون بأنفاقها ومصانع سلاحها تهديداً على أمن إسرائيل من النوع الذي وقع علينا في حروب لبنان. صحيح أننا أقوياء، لكن قوتنا بالذات هي التي جعلت قطاع غزة مدرسة أو لمزيد من الدقة أكاديمية للمخربين». وبلغة اليائس من عبثية المحاولات الإسرائيلية لتحقيق الانتصار على الفلسطينيين، خلص الكاتب إلى أنه «في كل مرة نعمل فيها بعنف ننبت المزيد من الإرهابيين. يمكن أن نرى على وجوه الأطفال في غزة ممن يرون الآن بيوتهم تهدم بهجمات سلاح الجو سيكبر الكثيرون منهم ليكونوا المخربين والقتلة في المستقبل».
ورأى محرر الشؤون الإقليمية في «هآرتس»، تسفي بارئيل، أن عملية «الجرف الصامد لم تكن فقط اختباراً في إدارة النار المتبادلة بين دولة ومنظمة، بل كانت مناورة في إدارة السياسة وفي رسم موازين القوى السياسية الجديدة في المنطقة». وفي سياق عرضه لبعض مواقف الصحف المصرية المناهضة لحماس، أوضح الكاتب أنه يمكن مقارنة مكانة «حماس» بمكانة حزب الله بعد حرب لبنان الثانية، حين لم تكن الحكومة اللبنانية وحدها، بل الدول العربية أيضاً، هي التي انتقدت بشدة مبادرة حزب الله الخاصة لمهاجمة إسرائيل وإلحاق الدمار بلبنان جراء ذلك.
وقدم رؤوفين باركو في «إسرائيل اليوم» قراءة مطولة لعلاقة حماس بالقاهرة، فرأى أن حماس برفضها اقتراح وقف النار المصري قد «بصقت في وجه مصر... ومصر تتطلع الآن إلى الانتقام ممن أهانوها على رؤوس الأشهاد، فلا يمكن عند العرب تجاوز هذه الوقاحة والاستخفاف بصمت». ورأى باركو أن قادة الفصائل الفلسطينية في غزة أهانوا مصر «في وقت كانت تعمل فيه على استعادة مكانتها المركزية في العالمين العربي والغربي، وهم رفضوها فيما هي تسعى إلى تشكيل جبهة عربية لمواجهة إيران والمد الراديكالي الإسلامي في الداخل. وفي وقت يدأب فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حشد شرعية سياسية في الداخل والخارج لقي وقاحة قادة حماس الذين أداروا له ظهورهم زاعمين أنهم لم يشاوروهم في تفاصيل وقف إطلاق النار».