انشغلت تركيا، في الساعات الماضية، بتصريحات زعيم حزب «الحركة القومية»، دولت باهتشلي، الحليف الرئيس لحزب «العدالة والتنمية»، والتي قال فيها إنه بعد مصافحة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، على الأوّل أن يلتقي الرئيس السوري، بشار الأسد، وجهاً لوجه «لتشكيل إرادة مشتركة لمواجهة الإرهاب». وجاء موقف باهتشلي ليزخّم الحديث عن احتمالات قمّة قريبة تجمع الزعيمَين، علماً أن الرئيس التركي لم يمانع لقاء نظيره السوري «عندما يحين الوقت، وبعد الانتخابات الرئاسية»، وفق ما أعلنه أخيراً.في هذا السياق، قال عبد القادر سيلفي، الوثيق الصلة بإردوغان، في صحيفة «حرييات»، إنه بعد لقاء إردوغان - السيسي، تحوّلت الأنظار إلى لقاء إردوغان - الأسد؛ إذ على رغم إعلان الرئيس التركي أن هذا اللقاء ممكن بعد الانتخابات، إلّا أنه «قد يحصل قبلها»، وفق الكاتب الذي وصف ما يجري اليوم بـ«دبلوماسية الاستخبارات». وتوقّع أنه بعد لقاء الرئيس التركي، الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، ووليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، والآن الرئيس المصري، قد يجتمع إلى الرئيس السوري، معتبراً أن إردوغان «يريد من المصالحات مع الرياض وأبو ظبي والقاهرة عدم تأبيد المشكلات، وعدم استفادة الولايات المتحدة واليونان منها، وعدم خلْق مشكلات جديدة. لذا، لا تعود مستهجنة خطوة مصالحته مع سوريا. وسيشكّل ذلك بدء مرحلة ترجمة المكاسب في السياسة الخارجية»، مضيفاً إن الرئيس «يريد حلّاً مع سوريا حتى لا تنشأ دولة إرهابية على جانبَي الحدود، ولا يريد استنزاف الموارد هناك لئلّا تتحوّل الحدود السورية إلى الخاصرة الرخوة لتركيا. وسيجري اللقاء بناءً على رغبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المتأثّر بالحرب الأوكرانية، والساعي إلى حلّ المشكلات بين تركيا وسوريا من طريق الاتصال المباشر بينهما». ووفق سيلفي، فإن الاشتغال على لقاء بين إردوغان والأسد، يأتي في إطار مفهوم جديد في تركيا، هو «الاستراتيجية الكبرى»، التي تعني العمل على إدارة المجالات الرمادية وإزالة المشكلات القائمة وتصحيحها، أمّا الأداة الأكبر فيها، فهي الاستخبارات ودبلوماسية ما وراء الكواليس، أو ما يُعرف بـ«دبلوماسية الاستخبارات». ورأى أن الرئيس التركي «يُحسن دبلوماسية ما وراء الكواليس، ويسمّيها "دبلوماسية الزعيم"»، مُعطِياً مثالاً على ذلك، الوساطة التركية بين إسرائيل والفلسطينيين بعد وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة، وبين إيران والأمم المتحدة في الملفّ النووي، والآن وساطة أنقرة في الأزمة الأوكرانية و«اتفاقية الحبوب» وتبادُل الأسرى.
بعد لقاء إردوغان - السيسي، تحوّلت الأنظار إلى لقاء إردوغان - الأسد


وسط هذه الأجواء «التفاؤلية»، لا يزال الجانب العسكري للعلاقات التركية - السورية يحظى بحيّز كبير من النقاش، وخصوصاً أن الرئيس التركي أعلن أن الغارات الجوّية التي تستهدف شمال سوريا، «ستُستكمل بعملية بريّة يَجري الإعداد لها لتقتلع جذور الإرهابيين بالدبابات». وتوقَّف المعلّقون الأتراك أمام ما رأوا أنه يحدث «للمرّة الأولى»؛ إذ قالت هاندي فرات، في صحيفة «حرييات»، إن «الطائرات التركية قصفت، للمرّة الأولى، مواقع كردية في عين العرب، وللمرّة الأولى تتوغّل عميقاً داخل سوريا كما العراق. وهي رسائل مفادها بأن تركيا لن تتوقّف عند حدّ معيّن، وبأن حماية الأميركيين للأكراد لن تنفعهم على المدى الطويل، وبأن أنقرة لن تسمح أبداً بقيام دولة كردية في شمال سوريا، وبأن ضرب كوباني هو بمثابة السيف الذي يقطع الدويلة المزمع تأسيسها وعاصمتها كوباني». ووفق الكاتبة، فإن الغارات الجوية ستَعقبها حتماً عمليّة بريّة للسيطرة على كامل المناطق الحدودية السورية مع تركيا التي لا وجود بعد للجيش التركي فيها، أي أن الأخير «سيملأ الفراغ» حيث وُجد.
في المجال نفسه، رأى الجنرال المتقاعد والخبير في الشؤون العسكرية، نجات إيسلين، في حديث إلى صحيفة «جمهورييات»، أن «الضربات الجوّية تُضعف معنويات الإرهابيين، ولكن إذا لم تضْمن الأمن كاملاً على الحدود وتُوقِف الفوضى في سوريا وتحلّ مشكلة اللاجئين، فإن تهديد الإرهابيين للأراضي التركية لن يتوقّف». وبحسبه، فإن «المصلحة الأولى لتركيا هي في استقرار سوريا. تركيا تَدفع طوعاً فاتورة ثقيلة لسياسة خارجية محورها الإخوان المسلمين»، مضيفاً إن «الفوضى في سوريا أنتجت عدداً كبيراً من الإرهابيين، وهؤلاء لا يمكن وقْفهم بالغارات الجوية فقط». من جهته، أشار اللواء المتقاعد، أحمد ياووز، إلى أنه «مهما فعلت تركيا، فإن الخطر على الحدود السورية سيتواصل، ذلك أن وقْف الخطر مرتبط بتقوية الدولة السورية سيطرتها على أراضيها». وقال إنه «مع استمرار وجود قوات حماية الشعب الكردية والجيش السوري الحرّ وهيئة تحرير الشام، فإن المخاطر ستبقى قائمة. لذا، لا مفرّ من التعاون مع الدولة السورية ومن الاتفاق معها». أيضاً، بدت لافتة تغريدة غير معتادة لوزارة الخارجية التركية، وضعت فيها رسماً، يحوي محبرة وريشة، وعنواناً عريضاً: «المنطقة العازلة: لأسباب متعدّدة هي منطقة فيها أطراف متورّطون أو محايدون تنشأ خصوصاً بين المناطق المحتمَلة للنزاع».
وعلى رغم تصريح إردوغان بأنه لا يقوم بعمليات عسكرية «بإذن من أحد، لا روسيا ولا أميركا»، فقد ظهر شبه إجماع بين المحلّلين والخبراء على أن الغارات التركية الأخيرة على سوريا والعراق حازت موافقة البلدَين المسبقة. وتساءل الكاتب عاكف باقي، في صحيفة «قرار»: «هل كان بوتين وبايدن على علم بقرار العملية؟»، ليجيب أن «نَفي إردوغان لا يلغي الحقيقة. لقد قال إنه لا يتحرّك بإذن من أحد، وإن روسيا وأميركا تعرفان أنه يمكن في أيّ لحظة أن نقوم بعمليات هنا. ولكن هل بإمكان إردوغان أن يَستخدم المجال الجوّي الروسي من دون إذن روسيا؟ هل ضَرب من دون إبلاغ أميركا التي حذّرت قبل يومَين من العملية من احتمال قيام تركيا بهجوم؟ الجواب أن العملية لم تكن فجائية، وقد جرى الإبلاغ عنها بالطرق الدبلوماسية». واستشهد باقي لتأكيد عِلْم واشنطن وموسكو المسبَق بالضربات، بقول إردوغان: «لقد أقمنا علاقات دبلوماسية مع الدول التي لها وجود هنا، واتّخذنا خطواتنا بناءً على ذلك، وسيستمرّ ذلك». لذا، أضاف باقي، إن تهديد الرئيس التركي بعملية «ذات ليلة فجأة» لا معنى له.