الخرطوم | انتهت «قوى الحرية والتغيير» في السودان من وضْع تصوّرها لعبور المرحلة الانتقالية، مُعلِنةً موافقة جميع مكوّناتها عليه، ومؤكّدة إمكانية المضيّ في العملية السياسية الآن، ولا سيما إثر قبول المكوّن العسكري مشروع الدستور الانتقالي المطروح من قِبل «لجنة المحامين السودانيين». على أن تحالف المعارضة، وتحت مبرّر إجراء مزيد من المشاورات مع «قوى الثورة»، قسّم مراحل الاتفاق السياسي، الذي يُفترض أن يفضي إلى تسليم السلطة إلى المدنيين، إلى مرحلتَين: أولى سيتمّ التوقيع فيها على اتّفاق إطاري خلال عشرة أيام من تاريخ الإعلان عنه؛ وثانية أُرجئ إمضاؤها لنحو شهر أو يزيد، بحسب المدّة الزمنية التي تتطلّبها مناقشة القضايا المرتبطة بها مع «أهل المصلحة»، علماً أن تلك القضايا تشمل العدالة الانتقالية، السلام، إصلاح المؤسّسة العسكرية، تفكيك «نظام الثلاثين من يونيو» (نظام الرئيس المخلوع عمر البشير)، والتي تُعدّ جميعها مفصلية في بناء الدولة، ولا يمكن أن يكون حسمها رهناً بـ«الحرية والتغيير»، وفق ما برّرت به الأخيرة هذا التأجيل.إلّا أن الكاتب الصحافي، عادل عبد الرحيم، يؤكد أن هذه «الملفّات الأربعة، المفصلية والمحورية في الاتفاق السياسي، جرى الاتفاق حول تفاصيلها كافة بين العسكر وقوى الحرية والتغيير»، معتبراً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الإعلان عن ترحيل الاتفاق على تلك الملفّات إلى المرحلة الثانية، هو مناورة من قِبَل الحرية والتغيير، ومحاولة منها لإقناع القوى الثورية والقوى السياسية الرافضة للعملية السياسية بالموافقة على التسوية»، مضيفاً أن «الحرية والتغيير لا تريد تحمُّل مسؤولية الاتفاق مع العسكر مرّة أخرى وحدَها». على أن «القوى الثورية» و«لجان المقاومة» سرعان ما أعلنت رفضها مشروع التسوية المطروح، والذي تروّج له «الحرية والتغيير» بوصْفه «الخيار الأمثل» لإنهاء الانقلاب العسكري وإعادة السلطة للمدنيين. وفي هذا الإطار، اتّهمت مجموعة «غاضبون بلا حدود»، إحدى المجموعات الشبابية الفاعلة في الشارع، «الحرية والتغيير» بأنها «تسعى إلى الحُكم والسلطة مهما كانت الوسيلة»، لافتةً، في بيان، إلى أن «ما أقعد البلاد منذ الاستقلال، هو حبّ العسكر للسلطة وتسلُّق النُّخب السياسية على أكتاف الشعب للوصول أيضاً إلى السلطة»، مؤكدة أن «الثورة لن تتوقّف بمُضيّ تواريخ بعينها أو التوقيع على مواثيق التسوية».
«الحرية والتغيير» لا تريد تحمُّل مسؤولية الاتّفاق مع العسكر مرّة أخرى وحدَها


في المقابل، لم يَصدر، حتى الآن، تصريح رسمي من المكوّن العسكري حول الاتفاق الذي ترعاه «اللجنة الثُّلاثية» (منظّمة الإيغاد، الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي)، وتُشرف عليه «اللجنة الرباعية» (السعودية والإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة)، غير أن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، كان قد ألمح، قبل أيام، إلى وجود تفاهمات مع «الحرية والتغيير»، معلِناً أن الجيش قدّم ملاحظاته حول اقتراح «لجنة المحامين»، مؤكداً أنه «لن يسمح بأيّ تدخّل للقوى السياسية» في المؤسّسة العسكرية. وبحسب ما ورد في مشروع الدستور الانتقالي الذي اقترحتْه اللجنة المذكورة، فإن رأس الدولة ورئيس الوزراء سيكونان مدنيَّين، فيما تُمنح للثاني المسؤولية عن مجلس الأمن والدفاع، وهو ما وافق عليه العسكر بحسب «الحرية والتغيير». أمّا عملية اختيار أعضاء الحكومة، فستشترك فيها الأطراف كافة، في حين يكون اختيار الرئيسَين (الدولة والحكومة) مقصوراً على المدنيين ولا يُسمح للعسكريين بالتدخّل فيه، وفق حديث عضو «الحرية والتغيير» طه عثمان. ومن أجل تحقيق الإصلاح في المؤسّسة العدلية، سيتمّ تكوين المجلس العدلي المؤقّت الذي ستختاره «قوى الثورة» من أعضاء المحكمة الدستورية والهيئة القضائية والنيابة العامة، وذلك بغرض إجراء إصلاحات شاملة في المؤسّسة المُشار إليها، والتي تحوّلت سابقاً إلى أداة تنفيذية في أيدي الانقلاب، واستُخدمت بمهارة لترسيخه وإطالة عمره.
وبحسب عضو «الحرية والتغيير»، ياسر عرمان، فإن الائتلاف «يسعى إلى توحيد القوى الثورية والذهاب إلى الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية كقوى مشتركة وفاعلة من أجل استدامة السلطة المدنية الديموقراطية». وشدّد عرمان، في مؤتمر صحافي، على أن «شرق السودان قضية يجب الاستماع إليها وحلّها. نريد الدفع بخطّة جديدة لتوحيد شرق السودان». أمّا «اتفاق جوبا للسلام» المُوقَّع بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلّحة، فإن مشروع الدستور لم يُلغِه، بل ستتمّ مراجعته تمهيداً لإلغاء بعض المسارات الملحَقة به كمسار الوسط والشمال، وحصْره بالحركات المسلّحة.